نوم الليل كره له كراهية تحريم، وإن قام من نوم النهار كره له كراهة تنزيه، قال: ومذهبنا ومذهب المحققين أن هذا الحكم ليس مخصوصا بالقيام من النوم، بل المعتبر الشك في نجاسة اليد، فمتى شك في نجاستها كره له غمسها في الاناء قبل غسلها، سواء كان قام من نوم الليل أو النهار أو شك انتهى. والحديث يدل على المنع من إدخال اليد إلى إناء الوضوء عند الاستيقاظ، وقد اختلف في ذلك فالامر عند الجمهور على الندب، وحمله أحمد على الوجوب في نوم الليل، واعتذر الجمهور عن الوجوب بأن التعليل بأمر يقتضي الشك قرينة صارفة عن الوجوب إلى الندب، وقد دفع بأن التشكيك في العلة لا يستلزم التشكيك في الحكم وفيه أن قوله: لا يدري أين باتت يده ليس تشكيكا في العلة بل تعليلا بالشك وأنه يستلزم ما ذكر ومن جملة ما اعتذر به الجمهور عن الوجوب حديث: أنه (ص) توضأ من الشن المعلق بعد قيامه من النوم ولم يرو أنه غسل يده كما ثبت في حديث ابن عباس. وتعقب بأن قوله: أحدكم يقتضي اختصاص الامر بالغسل بغيره فلا يعارضه ما ذكر، ورد بأنه صح عنه (ص) غسل يديه قبل إدخالهما في الاناء حال اليقظة، فاستحبابه بعد النوم أولى، ويكون تركه لبيان الجواز. ومن الاعذار للجمهور أن التقييد بالثلاث في غير النجاسة العينية يدل على الندبية، وهذه الأمور إذا ضمت إليها البراءة الأصلية لم يبق الحديث منتهضا للوجوب ولا لتحريم الترك، ولا يصح الاحتجاج به على غسل اليدين قبل الوضوء، فإن هذا ورد في غسل النجاسة وذاك سنة أخرى. ويدل على هذا ما ذكره الشافعي وغيره من العلماء أن السبب في الحديث أن أهل الحجاز كانوا يستنجون بالأحجار وبلادهم حارة، فإذا نام أحدهم عرق، فلا يأمن النائم أن تطوف يده على ذلك الموضع النجس أو على قذر غير ذلك، فإذا كان هذا سبب الحديث عرفت أن الاستدلال به على وجوب غسل اليدين قبل الوضوء ليس على ما ينبغي.
(فإن قلت) هذا قصر على السبب وهو مذهب مرجوح. قلت: سلمنا عدم القصر على السبب، فليس في الحديث إلا نهي المستيقظ عن نوم الليل أو مطلق النوم فهو أخص من الدعوى، أعني مشروعية غسل اليدين قبل الوضوء مطلقا، فلا يصلح للاستدلال به على ذلك، ونحن لا ننكر أن غسل اليدين قبل الوضوء من السنن الثابتة بالأحاديث الصحيحة كما في حديث عثمان الآتي وغيره، وكما في الحديث الذي في أول الباب، ولا منازعة في سنيته إنما النزاع في دعوى وجوبه والاستدلال عليها بحديث الاستيقاظ. وقد سبق ذكر الخلاف في