وقوله: ما يقدر عليه قال القاضي عياض: محتمل لتكثيره ومحتمل لتأكيده حتى يفعله بما أمكنه . والحديث يدل على وجوب غسل يوم الجمعة للتصريح فيه بلفظ واجب. وقد استدل به على عدم الوجوب باعتبار اقترانه بالسواك ومس الطيب. قال المصنف رحمه الله تعالى:
وهذا يدل على أنه أراد بلفظ الوجوب تأكيد استحبابه كما تقول: حقك علي واجب، والعدة دين بدليل أنه قرنه بما ليس بواجب بالاجماع وهو السواك والطيب انتهى.
وقد عرفناك ضعف دلالة الاقتران عن ذلك وغايتها الصلاحية لصرف الأوامر، وأما صرف لفظ واجب وحق فلا، والكلام قد سبق مبسوطا في الذي قبله.
وعن أبي هريرة: عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: حق على كل مسلم أن يغتسل في كل سبعة أيام يوما يغسل فيه رأسه وجسده متفق عليه.
الحديث من أدلة القائلين بوجوب غسل الجمعة، وقد تقدم الكلام عليه في أول الباب، وقد بين في الروايات الأخر أن هذا اليوم هو يوم الجمعة.
وعن ابن عمر أن عمر: بينما هو قائم في الخطبة يوم الجمعة إذ دخل رجل من المهاجرين الأولين فناداه عمر: أية ساعة هذه؟ فقال: إني شغلت فلم أنقلب إلى أهلي حتى سمعت التأذين فلم أزد على أن توضأت، قال: والوضوء أيضا وقد علمت أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم كان يأمر بالغسل متفق عليه.
الرجل المذكور هو عثمان كما بين في رواية لمسلم وغيره، قال ابن عبد البر: ولا أعلم خلافا في ذلك. قوله: أية ساعة هذه؟ قال ذلك توبيخا له وإنكارا لتأخره إلى هذا الوقت.
قوله: والوضوء أيضا هو منصوب أي توضأت الوضوء. قاله الأزهري وغيره وفيه إنكار ثان مضافا إلى الأول أي الوضوء أيضا اقتصرت عليه واخترته دون الغسل. والمعنى:
ما اكتفيت بتأخير الوقت وتفويت الفضيلة حتى تركت الغسل واقتصرت على الوضوء.
وجوز القرطبي الرفع على أنه مبتدأ وخبره محذوف أي والوضوء أيضا يقتصر عليه، قال في الفتح: وأغرب السهيلي فقال: اتفق الرواة على الرفع لأن النصب يخرجه إلى معنى الانكار، يعني والوضوء لا ينكر وجوابه ما تقدم، والحديث من أدلة القائلين بالوجوب لقوله كان يأمر، وقد تقدم الكلام على ذلك وفيه استحباب تفقد الامام لرعيته وأمرهم بمصالح دينهم والانكار على مخالف السنة وإن كان كبير القدر، وجواز الانكار في مجمع من الناس، وجواز الكلام في الخطبة، وحسن الاعتذار إلى ولاة الامر. وقد استدل بهذه