وضوء الصلاة لما عرفناك غير مرة أنه هو الحقيقة الشرعية وأنها مقدمة على غيرها. وقد صرحت بذلك عائشة في حديث الباب المتفق عليه، فهو يرد ما جنح إليه الطحاوي من أن المراد بالوضوء التنظيف، واحتج بأن ابن عمر راوي هذا الحديث وهو صاحب القصة:
كان يتوضأ وهو جنب ولا يغسل رجليه كما رواه مالك في الموطأ عن نافع، ويرد أيضا بأن مخالفة الراوي لما روى لا تقدح في المروي ولا تصلح لمعارضته. وأيضا قد ورد تقييد الوضوء بوضوء الصلاة من روايته ومن رواية عائشة فيعتمد ذلك، ويحمل ترك ابن عمر لغسل رجليه على أن ذلك كان لعذر. وإلى هذا ذهب الجمهور. قال الحافظ: والحكمة في الوضوء أنه يخفف الحدث ولا سيما على القول بجواز تفريق الغسل. ويؤيده ما رواه ابن أبي شيبة بسند رجاله ثقات عن شداد بن أوس الصحابي قال: إذا أجنب أحدكم من الليل ثم أراد أن ينام فليتوضأ فإنه نصف غسل الجنابة. وقيل: الحكمة في الوضوء أنه إحدى الطهارتين، وقيل إنه ينشط إلى العود أو إلى الغسل.
وعن عمار بن ياسر: أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم رخص للجنب إذا أراد أن يأكل أو يشرب أو ينام أن يتوضأ وضوءه للصلاة رواه أحمد والترمذي وصححه.
الوضوء عند إرادة الاكل والنوم ثابت من حديث عائشة ومتفق عليه. وقد تقدم في الحديث الذي قبل هذا إحدى الروايات وعزاها المصنف إلى أحمد ومسلم. وعند إرادة الشرب من حديث عائشة أيضا عند النسائي، ولكن جميع ذلك من فعله صلى الله عليه وآله وسلم لا من قوله كما في حديث الباب. وقد روي الوضوء عند الاكل من حديث جابر عند ابن ماجة وابن خزيمة، ومن حديث أم سلمة وأبي هريرة عند الطبراني في الأوسط، والحديث يدل على أفضلية الغسل لأن العزيمة أفضل من الرخصة، والخلاف في الوضوء لمن أراد أن ينام وهو جنب قد ذكرناه في الحديث الذي قبل هذا، وأما من أراد أن يأكل أو يشرب فقد اتفق الناس على عدم وجوب الوضوء عليه، وحكى ابن سيد الناس في شرح الترمذي عن ابن عمر أنه واجب.
وعن أبي سعيد: عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: إذا أتى أحدكم أهله ثم أراد أن يعود فليتوضأ رواه الجماعة إلا البخاري.
ورواه ابن خزيمة وابن حبان والحاكم وزادوا: فإنه أنشط للعود وفي رواية