بل المراد التحذير من الافتتان بهن، وليس نقص الدين منحصرا فيما يحصل به الاثم بل في أعم من ذلك، قاله في الفتح ورواه عن النووي لأنه أمر نسبي، فالكامل مثلا ناقص عن الأكمل، ومن ذلك الحائض لا تأثم بترك صلاتها زمن الحيض لكنها ناقصة عن المصلى. وهل تثاب على هذا الترك لكونها مكلفة به كما يثاب المريض على النوافل التي كان يعملها في صحته وشغل بالمرض عنها؟ قال النووي: الظاهر أنها لا تثاب، والفرق بينها وبين المريض أنه كان يفعلها بنية الدوام عليها مع أهليته والحائض ليست كذلك. قال الحافظ: وعندي في كون هذا الفرق مستلزما لكونها لا تثاب وقفة.
وعن معاذة قالت: سألت عائشة فقلت: ما بال الحائض تقضي الصوم ولا تقضي الصلاة؟ قالت: كان يصيبنا ذلك مع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فنؤمر بقضاء الصوم ولا نؤمر بقضاء الصلاة رواه الجماعة.
نقل ابن المنذر والنووي وغيرهما إجماع المسلمين على أنه لا يجب على الحائض قضاء الصلاة ويجب عليها قضاء الصيام. وحكى ابن عبد البر عن طائفة من الخوارج أنهم كانوا يوجبون على الحائض قضاء الصلاة، وعن سمرة بن جندب أنه كان يأمر به فأنكرت عليه أم سلمة، قال الحافظ: لكن استقر الاجماع على عدم الوجوب كما قاله الزهري وغيره، ومستند الاجماع هذا الحديث الصحيح، ولكن الاستدلال بعدم الامر على عدم وجوب القضاء قد ينازع فيه لاحتمال الاكتفاء بالدليل العام على وجوب القضاء، والأولى الاستدلال بما عند الإسماعيلي من وجه آخر بلفظ: فلم نكن نقضي ذكر معناه في الفتح، ولا تتم المنازعة في الاستدلال بعدم الامر على عدم وجوب القضاء إلا بعد تسليم أن القضاء يجب بدليل الأداء أو وجود دليل يدل على وجوب قضاء الصلاة دلالة تندرج تحتها الحائض والكل ممنوع. وقد ذهب الجمهور كما قاله النووي إلى أنه لا يجب القضاء على الحائض إلا بدليل جديد. قال النووي في شرح مسلم: قال العلماء: والفرق بينهما يعني الصوم والصلاة أن الصلاة كثيرة متكررة فيشق قضاؤها، بخلاف الصوم فإنه يجب في السنة مرة واحدة، وربما كان الحيض يوما أو يومين.
واعلم أنه لا حجة للخوارج إلا ما أسلفنا من أن عدم الامر لا يستلزم عدم وجوب القضاء والاكتفاء بأدلة القضاء، فإن أرادوا بأدلة القضاء حديث: من نام عن صلاته أو نسيها فأين هو من محل النزاع؟ وإن أرادوا غيره فما هو؟ وأيضا أدلة القضاء كافية في الصوم فلأي شئ أمرهن الشارع به دونها؟ والخوارج لا يستحقون المطاولة والمقاولة، لا سيما في مثل هذه