سبق على أنه يمكن أن يكون وقوع ذلك منه صلى الله عليه وآله وسلم لبيان الجواز وللاشعار بالمنع من حمل الأدلة القاضية بمنع السمر على التحريم، ويمكن أن يقال إن العلة التي ذكرناها للكراهة منتفية في حقه صلى الله عليه وآله وسلم لأمنه من غلبة النوم وعروض الكسل، ويجاب بمنع أمنه من غلبة النوم مسندا بنومه في الوادي، وأما أمنه من عروض الكسل فمسلم إن لم يكن ذلك من الأمور العارضة لطبيعة الانسان الخارجة عن الاختيار.
باب تسميتها بالعشاء والعتمة عن مالك عن سمي عن أبي صالح عن أبي هريرة: أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال: لو يعلم الناس ما في النداء والصف الأول ثم لم يجدوا إلا أن يستهموا عليه لاستهموا عليه، ولو يعلمون ما في التهجير لاستبقوا إليه، ولو يعلمون ما في العتمة والصبح لأتوهما ولو حبوا متفق عليه. زاد أحمد في روايته عن عبد الرزاق: فقلت لمالك: أما تكره أن تقول العتمة؟ قال: هكذا قال الذي حدثني.
قوله: لو يعلم الناس ما في النداء والصف الأول أي من مزيد الفضل وكثرة الاجر. قوله: لأتوهما أي لأتوا المحل الذي يصليان فيه جماعة وهو المسجد. قوله:
ولو حبوا أي زحفا إذا منعهم مانع من المشي كما يزحف الصغير. ولابن أبي شيبة من حديث أبي الدرداء: ولو حبوا على المرافق والركب. الحديث يدل على استحباب القيام بوظيفة الاذان، والملازمة للصف الأول، والمسارعة إلى جماعة العشاء والفجر، وسيأتي الكلام على ذلك، ويدل على جواز تسمية العشاء بالعتمة، وقد ورد من حديث عائشة عند البخاري بلفظ: أعتم النبي صلى الله عليه وآله وسلم بالعتمة ومن حديث جابر عند البخاري أيضا بلفظ: صلى لنا النبي صلى الله عليه وآله وسلم ليلة صلاة العشاء وهي التي تدعوا الناس العتمة ومن حديث غيرهما أيضا. وقد استشكل الجمع بين هذا الحديث وبين حديث ابن عمر الآتي، فقال النووي وغيره: الجواب عن حديث أبي هريرة من وجهين: أحدهما أنه استعمل لبيان الجواز، وأن النهي عن العتمة للتنزيه لا للتحريم. والثاني أنه يحتمل أنه خوطب بالعتمة من لا يعرف العشاء فخوطب بما يعرفه،