لغسلهما أيضا بحديث أنه صلى الله عليه وآله وسلم أدار الماء على مرفقيه ثم قال: هذا وضوء لا يقبل الله الصلاة إلا به عند الدارقطني والبيهقي من حديث جابر مرفوعا، وفيه القاسم بن محمد بن عبد الله بن محمد بن عقيل وهو متروك، وقال أبو زرعة: منكر، وضعفه أحمد وابن معين، وانفرد ابن حبان بذكره في الثقات ولم يلتفت إليه في ذلك، وصرح بضعف هذا الحديث المنذري وابن الجوزي وابن الصلاح والنووي وغيرهم. واستدل لذلك أيضا بما أخرجه مسلم من حديث أبي هريرة بلفظ: توضأ حتى أشرع في العضد ثم قال:
هكذا رأيت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وفيه أنه فعل لا ينتهض بمجرده على الوجوب، وأجيب بأنه بيان للمجمل فيفيد الوجوب، ورد بأنه لا إجمال لأن إلى حقيقة في انتهاء الغاية مجاز في معنى مع. وقد حقق الكلام في ذلك الرضى في شرح الكافية وغيره فليرجع إليه. واستدل أيضا لذلك أنه من مقدمة الواجب فيكون واجبا، وفيه خلاف في الأصول معروف، وسيعقد المصنف لذلك بابا سيأتي إن شاء الله. قوله: إلى الكعبين هما العظمان النابتان بين مفصل الساق والقدم باتفاق العلماء ما عدا الامامية ومحمد بن الحسن. قال النووي: ولا يصح عنه. وقد اختلف هل الواجب الغسل أو يكفي المسح؟ وسيأتي الكلام على ذلك إن شاء الله تعالى. قوله: لا يحدث فيهما نفسه قال النووي: والمراد لا يحدثها بشئ من أمور الدنيا، ولو عرض له حديث فأعرض عنه حصلت له هذه الفضيلة لأن هذا ليس من فعله، وقد غفر لهذه الأمة ما حدثت به نفوسها، هذا معنى كلامه. قال في الفتح: ووقع في رواية للحكيم الترمذي في هذا الحديث لا يحدث نفسه بشئ من الدنيا وهي في الزهد لابن المبارك والمصنف لابن أبي شيبة قال المازري والقاضي عياض: المراد بحديث النفس المجتلب والمكتسب، وأما ما يقع في الخاطر غالبا فليس هو المراد. قال عياض. وقوله: يحدث نفسه فيه إشارة إلى أن ذلك الحديث مما يكتسبه لاضافته إليه. قال ابن دقيق العيد: إن حديث النفس على قسمين: أحدهما ما يهجم هجما يتعذر دفعه عن النفس. والثاني ما تسترسل معه النفس ويمكن قطعه ودفعه، فيمكن أن يحمل الحديث على هذا النوع الثاني فيخرج عنه الأول لعسر اعتباره، ويشهد لذلك لفظ يحدث نفسه فإنه يقتضي تكسبا منه وتفعلا لهذا الحديث، قال: ويمكن حمله على النوعين معا إلى آخر كلامه. والحاصل أن الصيغة مشعرة بشيئين أحدهما أن يكون غير مغلوب بورود الخواطر النفسية، لأن من كان كذلك لا يقال له محدث لانتفاء الاختيار