لفظ واجب وحق إلا بتعسف لا يلجئ طلب الجمع إلى مثله. ولا يشك من له أدنى إلمام بهذا الشأن أن أحاديث الوجوب أرجح من الأحاديث القاضية بعدمه، لأن أوضحها دلالة على ذلك حديث سمرة وهو غير سالم من مقال وسنبينه، وأما بقية الأحاديث فليس فيها إلا مجرد استنباطات واهية، وقد دل حديث الباب أيضا على تعليق الامر بالغسل بالمجئ إلى الجمعة، والمراد إرادة المجئ وقصد الشروع فيه، وقد اختلف في ذلك على ثلاثة أقوال: اشتراط الاتصال بين الغسل والرواح وإليه ذهب مالك. والثاني عدم الاشتراط لكن لا يجزى فعله بعد صلاة الجمعة، ويستحب تأخيره إلى الذهاب وإليه ذهب الجمهور. والثالث أنه لا يشترط تقديم الغسل على صلاة الجمعة، بل لو اغتسل قبل الغروب أجزأ عنه وإليه ذهب داود، ونصره ابن حزم، واستبعده ابن دقيق العيد وقال: يكاد يجزم ببطلانه. وادعى ابن عبد البر الاجماع على من اغتسل بعد الصلاة لم يغتسل للجمعة. واستدل مالك بحديث الباب ونحوه. واستدل الجمهور وداود بالأحاديث التي أطلق فيها يوم الجمعة، لكن استدل الجمهور على عدم الاجتزاء به بعد الصلاة بأن الغسل لإزالة الروائح الكريهة، والمقصود عدم تأذي الحاضرين وذلك لا يتأتى بعد إقامة الجمعة. والظاهر ما ذهب إليه مالك لأن حمل الأحاديث التي أطلق فيها اليوم على حديث الباب المقيد بساعة من ساعاته واجب. والمراد بالجمعة اسم سبب الاجتماع وهو الصلاة لا اسم اليوم كذا قيل، وفي القاموس:
والجمعة المجموعة ويوم الجمعة، وقيل: إنما سمي يوم الجمعة لأن خلق آدم جمع فيه، أخرجه أحمد وابن خزيمة وغيرهما من حديث سلمان. وله شاهد من حديث أبي هريرة أخرجه أحمد بإسناد ضعيف، وابن أبي حاتم بسند قوي موقوف. قال الحافظ: إن هذا أصح الأقوال ولكنه لا يصح أن يراد في الحديث إلا الصلاة لأن اليوم لا يؤتى وكذلك غيره، وأخرج ابن خزيمة وابن حبان وغيرهما مرفوعا: من أتى الجمعة فليغتسل زاد ابن خزيمة: ومن لم يأتها فلا يغتسل.
وعن أبي سعيد: أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: غسل يوم الجمعة واجب على كل محتلم والسواك وأن يمس من الطيب ما يقدر عليه متفق عليه.
وقد اتفق السبعة على إخراج قوله: غسل يوم الجمعة واجب على كل محتلم. قوله: وإن يمس يجوز فتح الميم وضمها وزاد في رواية المسلم وغيره: ولو من طيب المرأة وهو المكروه للرجال، وهو ما ظهر لونه وخفي ريحه، فأباحه للرجل هنا للضرورة لعدم غيره وهو يدل على تأكده.