الأصول أن الخطاب الخاص بنا لا يعارضه فعل النبي صلى الله عليه وآله وسلم، والامر بالاسفار لا يشمل النبي صلى الله عليه وآله وسلم لا على طريق النصوصية ولا الظهور، فملازمته للتغليس وموته عليه لا تقدح في مشروعية الاسفار للأمة لولا أنه فعل ذلك وفعله معه الصحابة لكان ذلك مشعرا بعدم الاختصاص به فلا بد من المصير إلى التأويل كما سبق.
وعن ابن مسعود قال: ما رأيت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم صلى صلاة لغير ميقاتها إلا صلاتين جمع بين المغرب والعشاء بجمع وصلى الفجر يومئذ قبل ميقاتها متفق عليه، ولمسلم: قبل وقتها بغلس ولأحمد والبخاري عن عبد الرحمن بن يزيد قال: خرجت مع عبد الله فقدمنا جمعا فصلى الصلاتين كل صلاة وحدها بأذان وإقامة وتعشى بينهما ثم صلى حين طلع الفجر. قائل يقول: طلع الفجر، وقائل يقول: لم يطلع، ثم قال: إن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال: إن هاتين الصلاتين حولتا عن وقتهما في هذا المكان المغرب والعشاء، ولا يقدم الناس جمعا حتى يعتموا، وصلاة الفجر هذه الساعة.
قوله: بجمع بجيم مفتوحة فميم ساكنة فعين مهملة وهي المزدلفة، ويوم جمع يوم عرفة، وأيام جمع أيام منى أفاده القاموس. وإنما سميت المزدلفة جمعا لأن آدم اجتمع فيها مع حواء وازدلف إليها أي دنا منها. وروي عن قتادة أنه قال: إنما سميت جمعا لأنه يجمع فيها بين الصلاتين، وقيل: وصفت بفعل أهلها لأنهم يجتمعون بها ويزدلفون إلى الله أي يتقربون إليه بالوقوف فيها، وقيل غير ذلك. قوله: حتى يعتموا أي يدخلوا في العتمة وقد تقدم بيانها، وتمام حديث ابن مسعود في البخاري بعد قوله وصلاة الفجر هذه الساعة ثم وقف حتى أسفر ثم قال يعني ابن مسعود: لو أن أمير المؤمنين أفاض الآن أصاب السنة فما أدري أقوله كان أسرع أم دفع عثمان؟ فلم يزل يلبي حتى رمى جمرة العقبة يوم النحر انتهى. والحديث استدل به من قال باستحباب الاسفار، لأن قوله: قبل ميقاتها قد بين في رواية مسلم أنه في وقت الغلس، فدل على أن ذلك الوقت أعني وقت الغلس متقدم على ميقات الصلاة المعروف عند ابن مسعود، فيكون ميقاتها المعهود هو الاسفار لأنه الذي يتعقب الغلس فيصلح ذلك للاحتجاج به على الاسفار، وقد تقدم الكلام على ذلك.
وعن أبي الربيع قال: كنت مع ابن عمر فقلت له: إني أصلي معك ثم ألتفت فلا أرى وجه جليسي ثم أحيانا تسفر، فقال: كذلك رأيت رسول الله صلى الله