وأبي بردة وآخرين. قال الطبري: الصواب أن الأحاديث الواردة عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم بتغيير الشيب وبالنهي عنه كلها صحيحة وليس فيها تناقض، بل الامر بالتغيير لمن شيبه كشيب أبي قحافة، والنهي لمن له شمط فقط، قال: واختلاف السلف في فعل الامرين بحسب اختلاف أحوالهم في ذلك، مع أن الأمر والنهي في ذلك ليس للوجوب بالاجماع ولهذا لم ينكر بعضهم على بعض.
وعن محمد بن سيرين قال: سئل أنس بن مالك عن خضاب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فقال: إن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لم يكن شاب إلا يسيرا، ولكن أبا بكر وعمر بعده خضبا بالحناء والكتم متفق عليه. وزاد أحمد قال: وجاء أبو بكر بأبي قحافة إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يوم فتح مكة يحمله حتى إذا وضعه بين يدي رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لأبي بكر: لو أقررت الشيخ في بيته لأتيناه تكرمة لأبي بكر فأسلم ولحيته ورأسه كالثغامة بياضا فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: غيروهما وجنبوه السواد.
قصة أبي قحافة قد تقدم الكلام عليها، وفي هذه الرواية زيادة الامر بتغيير بياض اللحية، وحديث أنس وإنكاره لخضاب النبي صلى الله عليه وآله وسلم يعارضه ما سيأتي من حديث ابن عمر: أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم كان يصفر لحيته بالورس والزعفران وما سبق من حديثه أنه كان يصبغ بالصفرة وما في الصحيحين وإن كان أرجح مما كان خارجا عنهما، ولكن عدم علم أنس بوقوع الخضاب منه صلى الله عليه وآله وسلم لا يستلزم العدم، ورواية من أثبت أولى من روايته لأن غاية ما في روايته أنه لم يعلم وقد علم غيره. وأيضا قد ثبت في صحيح البخاري ما يدل على اختضابه كما سيأتي، على أنه لو فرض عدم ثبوت اختضابه لما كان فادحا في سنية الخضاب لورود الارشاد إليها قولا في الأحاديث الصحيحة. قال ابن القيم: واختلف الصحابة في خضابه صلى الله عليه وآله وسلم فقال أنس: لم يخضب، وقال أبو هريرة: خضب، وقد روى حماد بن سلمة عن حميد عن أنس قال: رأيت شعر رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم مخضوبا قال حماد: وأخبرني عبد الله بن محمد بن عقيل قال: رأيت شعر رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم عند أنس بن مالك مخضوبا وقالت طائفة: كان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم مما يكثر الطيب قد احمر شعره فكان يظن مخضوبا ولم يخضب انتهى. وقد أثبت اختضابه