قوله: فإن شدة الحر من فيح جهنم. وقوله: فإذا اشتد الحر فأبردوا بالصلاة ويجاب عن ذلك بأن الأحاديث الواردة بتعجيل الظهر وأفضلية أول الوقت عامة أو مطلقة، وحديث الابراد خاص أو مقيد، ولا تعارض بين عام وخاص، ولا بين مطلق ومقيد. وأجيب عن حديث خباب بأنه كما قال الأثرم والطحاوي منسوخ، قال الطحاوي: ويدل عليه حديث المغيرة: كنا نصلي بالهاجرة فقال لنا: أبردوا فبين أن الابراد كان بعد التهجير، وقال آخرون: إن حديث خباب محمول على أنهم طلبوا تأخيرا زائدا على قدر الابراد، لان الابراد أن يؤخر بحيث يصير للحيطان فئ يمشون فيه ويتناقص الحر. وحمل بعضهم حديث الابراد على ما إذا صار الظل فيئا، وحديث خباب على ما إذا كان الحصى لم يبرد لأنه لا يبرد حتى تصفر الشمس، فلذلك رخص في الابراد ولم يرخص في التأخير إلى خروج الوقت، وعلى فرض عدم إمكان الجمع فرواية الخلال السابقة عن المغيرة بلفظ: كان آخر الامرين من رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم الابراد وقد صحح أبو حاتم وأحمد حديث المغيرة وعده البخاري محفوظا من أعظم الأدلة الدالة على النسخ كما قاله من قدمنا، ولو نسلم جهل التاريخ وعدم معرفة المتأخر لكانت أحاديث الابراد أرجح لأنها في الصحيحين بل في جميع الأمهات بطرق متعددة، وحديث خباب في مسلم فقط، ولا شك أن المتفق عليه مقدم وكذا ما جاء من طرق.
وعن أبي ذر قال: كنا مع النبي صلى الله عليه وآله وسلم في سفر فأراد المؤذن أن يؤذن للظهر فقال النبي صلى الله عليه وآله وسلم: أبرد، ثم أراد أن يؤذن فقال له: أبرد حتى رأينا فئ التلول، فقال النبي صلى الله عليه وآله وسلم: إن شدة الحر من فيح جهنم فإذا اشتد الحر فأبردوا بالصلاة متفق عليه.
قوله: فئ التلول قال ابن سيده: الفئ ما كان شمسا فنسخه الظل، والجمع أفياء وفيوء، وفاء الفئ فيئا تحول وتفيأ فيه تظلل، قال ابن قتيبة: يتوهم الناس أن الظل والفئ بمعنى وليس كذلك، بل الظل يكون غدوة وعشية ومن أول النهار إلى آخره، وأما الفئ فلا يكون إلا بعد الزوال، ولا يقال لما قبل الزوال، وإنما قيل لما بعد الزوال فئ لأنه ظل فاء من جانب إلى جانب أي رجع، والفئ الرجوع ونسبه النووي في شرح مسلم إلى أهل اللغة.
والتلول جمع تل وهو الربوة من التراب المجتمع، والمراد أنه أخر تأخيرا كثيرا حتى صار للتلول فئ وهي منبطحة لا يصير لها فئ في العادة إلا بعد زوال الشمس بكثير. الحديث يدل