وأن لا يكون تحتها من الصحيح إلا ما لا بد منه، والمسح المذكور عندهم يكون بالماء لا بالتراب. وذهب أبو العباس وأبو طالب وهو أحد قولي الهادي، وروي عن أبي حنيفة أنه لا يمسح ولا يحل بل يسقط كعبادة تعذرت، ولان الجبيرة كعضو آخر، وآية الوضوء لم تتناول ذلك، واعتذروا عن حديث جابر وعلي بالمقال الذي فيهما، وقد تعاضدت طرق حديث جابر فصلح للاحتجاج به على المطلوب، وقوي بحديث علي، ولكن حديث جابر قد دل على الجمع بين الغسل والمسح والتيمم.
باب الجنب يتيمم لخوف البرد عن عمرو بن العاص: أنه لما بعث في غزوة ذات السلاسل قال: احتلمت في ليلة باردة شديدة البرد فأشفقت إن اغتسلت أن أهلك فتيممت ثم صليت بأصحابي صلاة الصبح، فلما قدمنا على رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ذكروا ذلك له فقال: يا عمرو صليت بأصحابك وأنت جنب؟ فقلت: ذكرت قول الله تعالى: * (ولا تقتلوا أنفسكم إن الله كان بكم رحيما) * (النساء: 29) فتيممت ثم صليت، فضحك رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ولم يقل شيئا رواه أحمد وأبو داود والدارقطني.
الحديث أخرجه البخاري تعليقا وابن حبان والحاكم، واختلف فيه على عبد الرحمن ابن جبير فقيل عنه عن أبي قيس عن عمرو. وقيل عنه عن عمرو بلا واسطة، لكن الرواية التي فيها أبو قيس ليس فيها إلا أنه غسل مغابنه فقط. وقال أبو داود: روى هذه القصة الأوزاعي عن حسان بن عطية وفيه فتيمم. ورجح الحاكم إحدى الروايتين، وقال البيهقي: يحتمل أن يكون فعل ما في الروايتين جميعا فيكون قد غسل ما أمكنه وتيمم للباقي، وله شاهد من حديث أبو عباس، ومن حديث أبي أمامة عند الطبراني. قوله:
ذات السلاسل هي موضع وراء وادي القرى، وكانت هذه الغزوة في جمادى الأولى سنة ثمان من الهجرة. قوله: فأشفقت أي خفت وجذرت. قوله: فضحك رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ولم يقل شيئا فيه دليلان على جواز التيمم عند شدة البرد ومخافة الهلاك: الأول التبسم والاستبشار. والثاني عدم الانكار لأن النبي صلى الله عليه وآله وسلم لا يقر على باطل، والتبسم والاستبشار أقوى دلالة من السكوت على