وهو مأخوذ مما ذكره غيره أن نزول آية الخوف كان فيها. وقيل: كان قصر الصلاة في ربيع الآخر من السنة الثانية ذكره الدولابي وأورده السهيلي بلفظ بعد الهجرة بعام أو نحوه، وقيل: بعد الهجرة بأربعين يوما، فعلى هذا المراد بقول عائشة: فأقرت صلاة السفر أي باعتبار ما آل إليه الامر من التخفيف. والمصنف ساق الحديث للاستدلال به على فرضية الصلاة لا أنها استمرت منذ فرضت، فلا يلزم من ذلك أن القصر عزيمة، ولعله يأتي تحقيق ما هو الحق في باب صلاة السفر إن شاء الله تعالى.
وعن طلحة بن عبيد الله أن أعرابيا جاء إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ثائر الرأس فقال: يا رسول الله أخبرني ما فرض الله علي من الصلاة؟ قال:
الصلوات الخمس إلا أن تطوع شيئا، قال: أخبرني ما فرض الله علي من الصيام؟ قال: شهر رمضان إلا أن تطوع شيئا، قال: أخبرني ما فرض الله علي من الزكاة؟ قال: فأخبره رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بشرائع الاسلام كلها، فقال: والذي أكرمك لا أطوع شيئا ولا أنقص ما فرض الله علي شيئا، فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: أفلح إن صدق أو دخل الجنة إن صدق متفق عليه.
الحديث أخرجه أيضا أبو داود والنسائي ومالك في الموطأ وغير هؤلاء. قوله:
أن أعرابيا في رواية: جاء رجل زاد أبو داود: من أهل نجد وكذا في مسلم والموطأ. قوله: ثائر الرأس هو مرفوع على الوصف على رواية جاء رجل، ويجوز نصبه على الحال، والمراد أن شعره متفرق من ترك الرفاهية: ففيه إشارة إلى قرب عهده بالوفادة. وأوقع اسم الرأس على الشعر إما مبالغة أو لأن الشعر منه ينبت. قوله: إلا أن تطوع بتشديد الطاء والواو وأصله تتطوع بتاءين فأدغمت إحداهما، ويجوز تخفيف الطاء على حذف إحداهما. قوله: والذي أكرمك وفي رواية إسماعيل بن جعفر عند البخاري: والله. قوله: أفلح إن صدق وقع عند مسلم من رواية إسماعيل بن جعفر أفلح وأبيه إن صدق أو دخل الجنة وأبيه إن صدق ولأبي داود مثله.
(فإن قيل) ما الجامع بين هذا وبين النهي عن الحلف بالآباء؟ أجيب عن ذلك بأنه كان قبل النهي، أو بأنها كلمة جارية على اللسان لا يقصد بها الحلف، أو فيه إضمار اسم الرب كأنه قال: ورب أبيه أو أنه خاص ويحتاج إلى دليل. وحكى السهيلي عن بعض مشايخه أنه قال: هو تصحيف وإنما كان والله فقصرت اللامان، واستنكره القرطبي وغفل