الوضوء من لحوم الإبل. وأما الجواب الثاني فقد تقرر أن الحقائق الشرعية مقدمة على غيرها، وحقيقة الوضوء الشرعية هي غسل جميع الأعضاء التي تغسل للوضوء فلا يخالف هذه الحقيقة إلا لدليل. وأما دعوى الاجماع فهي من الدعاوي التي لا يهابها طالب الحق ولا تحول بينه وبين مراده منه، نعم الأحاديث الواردة في ترك التوضئ من لحوم الغنم مخصصة لعموم الامر بالوضوء مما مست النار وما عدا لحوم الغنم داخل تحت ذلك العموم.
وعن ميمونة قالت: أكل النبي صلى الله عليه وآله وسلم من كتف شاة ثم قام فصلى ولم يتوضأ. وعن عمرو بن أمية الضمري قال: رأيت النبي صلى الله عليه وآله وسلم يحتز من كتف شاة فأكل منها فدعي إلى الصلاة فقام وطرح السكين وصلى ولم يتوضأ متفق عليهما.
قوله: يحتز من كتف شاة قال النووي: فيه جواز قطع اللحم بالسكين، وذلك قد تدعو الحاجة إليه لصلابة اللحم أو كبر القطعة، قالوا: ويكره من غير حاجة. قوله:
فدعي إلى الصلاة في هذا دليل على استحباب استدعاه الأئمة إلى الصلاة إذا حضر وقتها. والحديث يدل على عدم وجوب لوضوء مما مسته النار، وقد عرفت الخلاف والكلام فيه فلا نعيده.
وعن جابر قال: أكلت مع النبي صلى الله عليه وآله وسلم ومع أبي بكر وعمر خبزا ولحما فصلوا ولم يتوضأوا رواه أحمد. وعن جابر قال: كان آخر الامرين من رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ترك الوضوء مما مسته النار رواه أبو داود والنسائي.
الحديث الأول أخرجه ابن أبي شيبة والضياء في المختارة. والحديث الآخر أخرجه أيضا ابن خزيمة وابن حبان، وقال أبو داود: هذا اختصار من حديث: قربت للنبي صلى الله عليه وآله وسلم خبزا ولحما فأكله ثم دعا بالوضوء فتوضأ قبل الظهر ثم دعا بفضل طعامه فأكل ثم قام إلى الصلاة ولم يتوضأ وقال ابن أبي حاتم في المعلل عن أبيه نحوه وزاد، ويمكن أن يكون شعيب بن أبي حمزة حدث به من حفظه فوهم فيه، وقال ابن حبان نحوا مما قاله أبو داود وله علة أخرى، قال الشافعي في سنن حرملة:
لم يسمع ابن المنكدر هذا الحديث من جابر إنما سمعه من عبد الله بن محمد بن عقيل،