باب وقت صلاة الفجر وما جاء في التغليس بها والاسفار قد تقدم بيان وقتها في غير حديث. وعن عائشة قالت: كن نساء المؤمنات يشهدن مع النبي صلى الله عليه وآله وسلم صلاة الفجر متلفعات بمروطهن ثم ينقلبن إلى بيوتهن حين يقضين الصلاة لا يعرفهن أحد من الغلس رواه الجماعة. وللبخاري:
ولا يعرف بعضهن بعضا.
قوله: نساء المؤمنات صورته صورة إضافة الشئ إلى نفسه، واختلف في تأويله وتقديره. فقيل: تقديره نساء الأنفس المؤمنات، وقيل: نساء الجماعات المؤمنات، وقيل:
إن نساء هنا بمعنى الفاضلات أي فاضلات المؤمنات، كما يقال رجال القوم أي فضلاؤهم ومقدموهم. وقوله: كن قال الكرماني: هو مثل أكلوني البراغيث لأن قياسه الافراد وقد جمع.
قوله: متلفعات هو بالعين المهملة بعد الفاء أي متجللات ومتلففات. والمروط جمع مرط بكسر الميم الأكسية المعلمة من خز أو صوف أو غير ذلك. قوله: لا يعرفهن أحد قال الداودي:
معناه ما يعرفن أنساءهن أم رجال. وقيل: لا يعرف أعيانهن، قال النووي: وهذا ضعيف لان المتلفعة في النهار أيضا لا يعرف عنها، فلا يبقى في الكلام فائدة، وتعقب بأن المعرفة إنما تتعلق بالأعيان، ولو كان المراد الأول لعبر عنه بنفي العلم. قال الحافظ: وما ذكره من أن المتلفعة بالنهار لا يعرف عينها فيه نظر، لأن لكل امرأة هيئة غير هيئة الأخرى في الغالب ولو كان بدنها مغطى. قال الباجي: وهذا يدل على أنهن كن سافرات إذ لو كن متقنعات لكان المانع من المعرفة تغطيهن لا التغليس. قوله: من الغلس من ابتدائية أو تعليلية ، ولا معارضة بين هذا وبين حديث أبي برزة أنه كان ينصرف من الصلاة حين يعرف الرجل جليسه، لأن هذا إخبار عن رؤية المتلفعة على بعد، وذاك إخبار عن رؤية الجليس.
والحديث يدل على استحباب المبادرة بصلاة الفجر في أول الوقت، وقد اختلف العلماء في ذلك، فذهبت العترة ومالك والشافعي وأحمد وإسحاق وأبو ثور والأوزاعي وداود بن علي وأبو جعفر الطبري وهو المروي عن عمر وعثمان وابن الزبير وأنس وأبي موسى وأبي هريرة إلى أن التغليس أفضل، وأن الاسفار غير مندوب. وحكي هذا القول الحازمي عن بقية الخلفاء الأربعة، وابن مسعود وأبي مسعود الأنصاري وأهل الحجاز، واحتجوا بالأحاديث