تسليم صحته عن السلف وإمكان الانتفاع بالبقية هو الاستقذار، وبهذا يتضح عدم خروج المستعمل عن الطهورية وتحتم البقاء على البراءة الأصلية، لا سيما بعد اعتضادها بكليات وجزئيات من الأدلة كحديث: خلق الماء طهورا وحديث مسحه (ص) رأسه بفضل ماء كان بيده وسيأتي وغيرهما. وقد استدل المصنف رحمه الله بحديث الباب على عدم صلاحية المستعمل للطهورية فقال: وهذا النهي عن الغسل فيه يدل على أنه لا يصح ولا يجزي، وما ذاك إلا لصيرورته مستعملا بأول جزء يلاقيه من المغتسل فيه، وهذا محمول على الذي لا يحمل النجاسة، فأما ما يحملها فالغسل فيه مجزئ، فالحدث لا يتعدى إليه حكمه من طريق الأولى انتهى.
وعن سفيان الثوري عن عبد الله بن محمد بن عقيل حدثتني الربيع بنت معوذ ابن عفراء فذكر حديث وضوء النبي (ص) وفيه: ومسح (ص) رأسه بما بقي من وضوئه في يده مرتين بدأ بمؤخره ثم رده إلى ناصيته وغسل رجليه ثلاثا ثلاثا رواه أحمد وأبو داود مختصرا ولفظه: أن رسول الله (ص) مسح رأسه من فضل ماء كان بيديه. قال الترمذي: عبد الله بن محمد بن عقيل صدوق ولكن تكلم فيه بعضهم من قبل حفظه. وقال البخاري: كان أحمد وإسحاق والحميدي يحتجون بحديثه.
الخلاف بين الأئمة في الاحتجاج بحديث ابن عقيل مشهور وهو أبو محمد عبد الله بن محمد بن عقيل بن أبي طالب. والكلام على أطراف هذا الحديث محله الوضوء. ومحل الحجة منه مسح رأسه بما بقي من وضوء في يده، فإنه مما استدل به على أن المستعمل قبل انفصاله عن البدن يجوز التطهر به. قيل: وقد عارضه مع ما فيه من المقال أن النبي (ص) مسح رأسه بماء غير فضل يديه كحديث مسلم: أن النبي (ص) مسح رأسه بماء غير فضل يديه. وأخرج الترمذي من حديث عبد الله بن زيد أنه رأى النبي (ص) توضأ وأنه مسح رأسه بماء غير فضل يديه. وأخرج أيضا من حديثه أن النبي (ص) أخذ لرأسه ماء جديدا. وأخرج ابن حبان في صحيحه من حديثه أيضا نحوه. وأنت خبير بأن كونه (ص) أخذ لرأسه ماء جديدا كما وقع في هذه الروايات لا ينافي ما في حديث الباب من أنه (ص) مسح رأسه بما بقي من وضوئه في يديه، لأن التنصيص على شئ بصيغة لا تدل إلا على مجرد الوقوع، ولم يتعرض فيها لحصر على المنصوص عليه ولا نفي لما