وظاهر العطف أنه كان يصبغ لحيته بالزعفران، ويحتمل أن يكون التقدير أنه كان يصفر لحيته بالورس وثيابه الزعفران. وقد روى أبو داود من طرق صحاح ما يدل على أن ابن عمر كان يصبغ لحيته وثيابه بالصفرة ولفظه: أن ابن عمر كان يصبغ لحيته بالصفرة حتى تملأ ثيابه فقيل له في ذلك فقال: إني رأيت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يصبغ بها ولم يكن شئ أحب إليه منها كان يصبغ ثيابه بها حتى عمامته والحديث يدل على تغيير الشيب سنة وقد تقدم الكلام عليه.
وعن أبي ذر رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم:
إن أحسن ما غيرتم به هذا الشيب الحناء والكتم رواه الخمسة وصححه الترمذي.
وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: إن اليهود والنصارى لا يصبغون فخالفوهم رواه الجماعة.
الحديث الأول يدل على أن الحناء والكتم من أحسن الصباغات التي يغير بها الشيب، وأن الصبغ غير مقصور عليهما لدلالة صيغة التفضيل على مشاركة غيرهما من الصباغات لهما في أصل الحسن، وهو يحتمل أن يكون على التعاقب ويحتمل الجمع وقد أخرج مسلم من ديث أنس قال: اختضب أبو بكر بالحناء والكتم، واختضب عمر بالحناء بحتا أي منفردا، وهذا يشعر بأن أبا بكر كان يجمع بينهما دائما، والكتم نبات يخرج الصبغ أسود يميل إلى الحمرة وصبغ الحناء أحمر، فالصبغ بهما معا يخرج بين السواد والحمرة، واستنبط ابن أبي عاصم من قوله: جنبوه السواد في حديث جابر أن الخضاب بالسواد كان من عادتهم. والحديث الثاني يدل على أن العلة في شرعية الصباغ وتغيير الشيب هي مخالفة اليهود والنصارى، وبهذا يتأكد استحباب الخضاب، وقد كان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يبالغ في مخالفة أهل الكتاب ويأمر بها، وهذه السنة قد كثر اشتغال السلف بها، ولهذا ترى المؤرخين في التراجم لهم يقولون: وكان يخضب وكان لا يخضب. قال ابن الجوزي: قد اختضب جماعة من الصحابة والتابعين وقال أحمد بن حنبل وقد رأى رجلا قد خضب لحيته: إني لأرى رجلا يحيي ميتا من السنة وفرح به حين رآه صبغ بها. قال النووي: مذهبنا استحباب خضاب الشيب للرجل والمرأة بصفرة أو حمرة، ويحرم خضابه بالسواد على الأصح، قال: وللخضاب فائدتان: إحداهما تنظيف الشعر مما تعلق به، والثانية مخالفة أهل الكتاب. قال في الفتح: وقد رخص فيه أي في الخضب بالسواد طائفة من