آخر على عدم إرادته ونظيره إجازة الزجاج والزمخشري في قوله تعالى: * (ولا تلبسوا الحق بالباطل وتكتموا الحق) * (البقرة: 42) كون تكتموا مجزوما وكونه منصوبا مع أن النصب معناه النهي اه. وقد اعترض الجزم القرطبي بما حاصله أنه لو أراد النهي عنه لقال: ثم يغتسلن بالتأكيد، وتعقب بأنه لا يلزم من تأكيد النهي أن لا يعطف عليه نهي آخر غير مؤكد، لاحتمال أن يكون للتأكيد معنى في أحدهما ليس في الآخر اه. والحاصل أنه قد ورد النهي عن مجرد الغسل من دون ذكر للبول كحديث أبي هريرة المتقدم في باب بيان زوال تطهيره الماء، وورد النهي عن مجرد البول من دون ذكر للغسل كما في صحيح مسلم أنه (ص) نهى عن البول في الماء الراكد والنهي عن كل واحد منهما على انفراده يستلزم النهي عن فعلهما جميعا بالأولى. وقد ورد النهي عن الجمع بينهما في حديث الباب إن صحت رواية النصب، والنهي عن كل واحد منهما في حديث عند أبي داود.
ويدل عليه حديث الباب على رواية الجزم، وأما على رواية الرفع فقال القرطبي: إنه نبه بذلك على مآل الحال ومثله بقوله (ص) لا يضربن أحدكم امرأته ضرب الأمة ثم يضاجعها أي ثم هو يضاجعها، والمراد النهي عن الضرب، لأن الزوج يحتاج في مآل حاله إلى مضاجعتها فتمتنع لإساءته إليها، فيكون المراد ههنا النهي عن البول في الماء، لأن البائل يحتاج في مآل حاله إلى التطهر به، فيمتنع ذلك للنجاسة. قال النووي: وهذا النهي في بعض المياه للتحريم وفي بعضها للكراهة، فإن كان الماء كثيرا جاريا لم يحرم البول فيه ولكن الأولى اجتنابه وإن كان قليلا جاريا، فقد قال جماعة من أصحاب الشافعي: يكره، والمختار أنه يحرم لأنه يقذره وينجسه، ولان النهي يقتضي التحريم عند المحققين والأكثرين من أهل الأصول، وهكذا إذا كان كثيرا راكدا أو قليلا، لذلك قال: وقال العلماء من أصحابنا وغيرهم: يكره الاغتسال في الماء الراكد قليلا كان أو كثيرا، وكذا يكره الاغتسال في العين الجارية، قال: وهذا كله على كراهة التنزيه لا التحريم انتهى. وينظر ما القرينة الصارفة للنهي عن التحريم، ولا فرق في تحريم البول في الماء بين أن يقع البول فيه أو في إناء ثم يصب إليه خلافا للظاهرية. والتغوط كالبول وأقبح، ولم يخالف في ذلك أحد إلا ما حكي عن داود الظاهري. قال النووي: وهو خلاف الاجماع وهو أقبح ما نقل عنه في الجمود على الظاهر. وقد نصر قول داود بن حزم في المحلى وأورد للفقهاء الأربعة من هذا الجنس الذي أنكره أتباعهم على داود شيئا واسعا. واعلم أنه لا بد عن إخراج هذا الحديث عن ظاهره بالتخصيص أو التقييد، لأن الاتفاق واقع على أن