وسلبهم فبقي بلا أهل ولا مال، فليحذر من تفويتها كحذره من ذهاب أهله وماله. وقال أبو عمر بن عبد البر: معناه عند أهل اللغة والفقه أنه كالذي يصاب بأهله وماله إصابة يطلب بها وترا، والوتر الجناية التي يطلب ثأرها فيجتمع عليه غم المصيبة وغم مقاساة طلب الثأر.
وعن أبي يونس مولى عائشة أنه قال: أمرتني عائشة أن أكتب لها مصحفا فقالت: إذا بلغت هذه الآية فآذني: حافظوا على الصلوات والصلاة الوسطى، فلما بلغتها آذنتها فأملت علي: حافظوا على الصلوات والصلاة الوسطى وصلاة العصر وقوموا لله قانتين، قالت عائشة: سمعتها من رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم رواه الجماعة إلا البخاري وابن ماجة.
وفي الباب عن حفصة عند مالك في الموطأ قال عمرو بن رافع: إنه كان يكتب لها مصحفا فقالت له إذا انتهيت إلى حافظوا على الصلوات والصلاة الوسطى فآذني، فأذنتها فقالت اكتب: والصلاة الوسطى وصلاة العصر وقوموا لله قانتين. استدل بالحديث من قال: إن الصلاة الوسطى غير صلاة العصر لأن العطف يقتضي المغايرة، وهو راجع إلى الخلاف الثابت في الأصول في القراءة الشاذة هل تنزل منزلة أخبار الآحاد فتكون حجة كما ذهبت إليه الحنفية وغيرهم، أم لا تكون حجة لأن ناقلها لم ينقلها إلا على أنها قرآن، والقرآن لا يثبت إلا بالتواتر، كما ذهبت إلى ذلك الشافعية والراجح الأول. وقد غلط من استدل من الشافعية بحديث عائشة وحفصة على أن هذه الصلاة الوسطى ليست صلاة العصر، لما عرفت من أن مذهبهم في الأصول يأبى هذا الاستدلال، وأجيب عن الاستدلال بهذا الحديث من طرف القائلين بأنها العصر بوجهين: الأول أن تكون الواو زائدة في ذلك على حد زيادتها في قوله تعالى: * (وكذلك نري إبراهيم ملكوت السماوات والأرض وليكون من الموقنين) * (الانعام: 75) وقوله: * (وكذلك نصرف الآيات وليقولوا درست) * (الانعام: 105) وقوله: * (ولكن رسول الله وخاتم النبيين) * (الأحزاب: 40) وقوله: * (إن الذين كفروا ويصدون عن سبيل الله) * (الحج: 25) حكي عن الخليل أنه قال يصدون والواو مقحمة زائدة. ومثله في القرآن كثير، ومنه قول امرئ القيس:
فلما أجزنا ساحة الحي وانتحى * بنا بطن خبت ذي حقاق عقنقل