الحمد لله الذي لم يتخذ ولدا ولم يكن له شريك في الملك وخلق كل شئ فقدره تقديرا افتتح الكتاب بحمد الله سبحانه وتعالى أداء لحق شئ مما يجب عليه من شكر النعمة إلي من آثارها تأليف هذا الكتاب وعملا بالأحاديث الواردة في الابتداء به كحديث أبي هريرة عند أبي داود والنسائي. ابن ماجة وأبي عوانة والدار قطني وابن حيان والبيهقي عنه صلى الله عليه وسلم " كل كلام لا يبدأ فيه بالحمد فهو أجذم " واختلف في وصله وارساله فرجح النسائي والدار قطني الارسال وأخرج الطبراني في الكبير والرهاوي عن كعب بن مالك عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال " كل أمر ذي بال لا يبدأ فيه بالحمد أقطع " وأخرج أيضا ابن حبان عن أبي هريرة مرفوعا بلفظ " كل أمر ذي بال لا يبدأ فيه بحمد الله فهو أقطع " وأخرجه أيضا أبو داود عنه وكذلك النسائي وابن ماجة وفي رواية " أبتر " بدل " أقطع " وله ألفاظ أخر أوردها الحافظ عبد القادر الرهاوي في الأربعين له وسيذكر المنصف رحمه الله حديث أبي هرير ة هذا في باب اشتمال الخطبة على حمد الله من أبواب الجمعة. والحمد في الأصل مصدر منصوب بفعل مقدر حذف حذفا قياسيا كما صرح بذلك الرضي ورجحه أو سماعيا كما ذهب إليه غيره. وعدل به إلى الرفع للدلالة على الدوام المستفاد من الجملة الإسمية ولو بمعونة المقام لا من مجرد العدول إذ لا مدخلية له في ذلك. وحلي باللام ليفيد الاختصاص الثبوتي. هو مستلزم للقصر فيكون الحمد مقصورا عليه تعالى اما باعتبار ان كل حمد لغيره آيل إليه أو منزل منزلة العدم مبالغة وادعا أو لكون الحمد له جل جلاله هو الفرد الكامل * والحمد هو الوصف بالجميل على الجميل الاختياري للتعظيم واطلاق الجميل الأول لادخال وصفه تعالى بصفاته الذاتية فإنه حمد له وتقييد الثاني بالاختياري لاخراج المدح فيكون على هذا أعم من الحمد مطلقا وقيل هما أخوان وذكر قيد التعظيم لاخراج ما يؤتي به من المعشرات بالتعظيم على سبيل الاستهزاء والسخرية ولكنه يستلزم اعتبار فعل الجنان وفعل الأركان في الحمد لأن التعظيم لا يحصل بدونهما وأجيب بأنهما فيه شرطان لا جزآن ولا جزئيان ومن ههنا يلوح صحة ما قاله الجمهور من أن الحمد أعم من الشكر متعلقا وأخص موردا لا كما زعمه البعض من أن الحمد أعم مطلقا لمساواته الشكر في المورد وزيادته عليه بكونه أعم متعلقا. ومما ينبغي أن يعلم ههنا أن الحمد يقتضي متعلقين هما المحمود به والمحمود عليه فالأول ما حصل به الحمد والثاني الحامل عليه كحمدك لزيد بالكرم في مقابلة الانعام وقد يكون التغاير اعتباريا مع
(٦)