أن النسخ لا يتصور قبل البلاغ، وحديث الاسراء وقع فيه النسخ قبل البلاغ فهو مشكل عليهم جميعا، قال: وهذه نكتة مبتكرة. قال الحافظ في الفتح: قلت إن أراد قبل البلاغ لكل أحد فممنوع، وإن أراد قبل البلاغ إلى الأمة فمسلم، ولكن قد يقال ليس هو بالنسبة إليهم نسخا لكن هو نسخ بالنسبة إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم لأنه كلف بذلك قطعا ثم نسخ بعد أن بلغه وقبل أن يفعل، فالمسألة صحيحة التصوير في حقه (ص).
وعن عائشة رضي الله عنها قالت: فرضت الصلاة ركعتين ثم هاجر ففرضت أربعا وتركت صلاة السفر على الأول رواه أحمد والبخاري.
زاد أحمد من طريق ابن كيسان: إلا المغرب فإنها كانت ثلاثا. والحديث يدل على وجوب القصر وأنه عزيمة لا رخصة، وقد أخذ بظاهره الحنفية والهادوية واحتج مخالفوهم بقوله سبحانه: * (ليس عليكم جناح أن تقصروا من الصلاة) * (النساء: 101) ونفي الجناح لا يدل على العزيمة، والقصر إنما يكون من شئ أطول منه، قالوا: ويدل على أنه رخصة قوله صلى الله عليه وآله وسلم: صدقة تصدق الله بها عليكم وأجابوا عن حديث الباب بأنه من قول عائشة غير مرفوع، وبأنها لم تشهد زمان فرض الصلاة، قاله الخطابي وغيره. قال الحافظ: وفي هذا الجواب نظر، أما أولا فهو مما لا مجال للرأي فيه فله حكم الرفع. وأما ثانيا فعلى تقدير تسليم أنها لم تدرك القصة يكون مرسل صحابي وهو حجة، لأنه يحتمل أن يكون أخذه عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أو عن صحابي آخر أدرك ذلك. وأما قول إمام الحرمين: لو كان ثابتا لنقل متواترا ففيه نظر، لأن التواتر في مثل هذا غير لازم، وقالوا أيضا: يعارض حديث عائشة هذا حديث ابن عباس: فرضت الصلاة في الحضر أربعا وفي السفر ركعتين أخرجه مسلم (والجواب) أنه يمكن الجمع بين حديث عائشة وابن عباس فلا تعارض، وذلك بأن يقال إن الصلوات فرضت ليلة الاسراء ركعتين ركعتين إلا المغرب، ثم زيدت بعد الهجرة إلا الصبح: كما روى ابن خزيمة وابن حبان والبيهقي عن عائشة قالت: فرضت صلاة الحضر والسفر ركعتين ركعتين، فلما قدم رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم المدينة واطمأن زيد في صلاة الحضر ركعتان ركعتان وتركت صلاة الفجر لطول القراءة وصلاة المغرب لأنها وتر النهار انتهى. ثم بعد أن استقر فرض الرباعية خفف منها في السفر عند نزول الآية السابقة. ويؤيد ذلك ما ذكره ابن الأثير في شرح المسند أن قصر الصلاة كان في السنة الرابعة من الهجرة،