السائب ابن سيد الناس في شرح الترمذي. قال المصنف رحمه الله تعالى بعد سياق حديث عائشة ما لفظه: وهذا يتوجه منه كون الوسطى العصر، لأن تسميتها في الحث على المحافظة دليل تأكدها وتكون الواو فيه زائدة كقوله: * (آتينا موسى وهارون الفرقان وضياء) * (الأنبياء: 48) أي ضياء. وقوله: * (فلما أسلما وتله للجبين وناديناه) * (الصافات: 103) أي ناديناه إلى نظائرها انتهى.
وعن زيد بن ثابت قال: كان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يصلي الظهر بالهاجرة ولم يكن يصلي صلاة أشد على أصحابه منها فنزلت * (حافظوا على الصلوات والصلاة الوسطى) * وقال: إن قبلها صلاتين وبعدها صلاتين رواه أحمد وأبو داود.
وعن أسامة بن زيد في الصلاة الوسطى قال: هي الظهر إن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم كان يصلي الظهر بالهجير ولا يكون وراءه إلا الصف والصفان والناس في قائلتهم وفي تجارتهم فأنزل الله: * (حافظوا على الصلوات والصلاة الوسطى وقوموا الله قانتين) * رواه أحمد.
الحديث الأول سكت عنه أبو داود والمنذري وأخرجه البخاري في التاريخ والنسائي بإسناد رجاله ثقات. وأخرج نحو ذلك في الموطأ والترمذي عن زيد أيضا والحديث الثاني أخرجه أيضا النسائي وابن منيع وابن جرير والضياء في المختارة، ورجال إسناده في سنن النسائي ثقات. قوله: الهجير قال في القاموس: الهجيرة والهجير والهاجرة نصف النهار عند زوال الشمس مع الظهر أو من عند زوالها إلى العصر، لان الناس يسكنون في بيوتهم كأنهم قد تهاجروا لشدة الحر. والأثر إن استدل بهما من قال إن الصلاة الوسطى هي الظهر، وأنت خبير بأن مجرد كون صلاة الظهر كانت شديدة على الصحابة لا يستلزم أن تكون الآية نازلة فيها، غاية ما في ذلك أن المناسب أن تكون الوسطى هي الظهر، ومثل هذا لا يعارض به تلك النصوص الصحيحة الصريحة الثابتة في الصحيحين وغيرهما من طرق متعددة قد قدمنا لك منها جملة نافعة، وعلى فرض أن قول هذين الصحابين تصريح ببيان سبب النزول لا إبداء مناسبة، فلا يشك من له أدنى إلمام بعلوم الاستدلال أن ذلك لا ينتهض لمعارضة ما سلف على أنه يعارض المروي عن زيد بن ثابت، هذا ما قدمنا عنه في شرح حديث علي فراجعه، ولعلك إذا أمعنت النظر فيما حررناه في هذا الباب لا تشك بعده أن الوسطى هي العصر:
فكن رجلا رجله في الثرى * وهامة همته في الثريا