الحديث أخرجه أيضا ابن ماجة، وأخرج نحوه أبو داود والنسائي وغيرهما من حديث أبي هريرة، وهو يدل على وجوب الاستجمار بثلاثة أحجار، وفيه خلاف قد أسلفناه في باب نهي المتخلي عن استقبال القبلة، قال في البحر: الاستجمار بثلاثة أحجار مشروع إجماعا. وقوله: فإنها تجزي عنه أي تكفيه، وهو دليل لمن قال بكفاية الأحجار وعدم وجوب الاستنجاء بالماء، وإليه ذهبت الشافعية والحنفية، وبه قال ابن الزبير وسعد بن أبي وقاص وابن المسيب وعطاء. وسيأتي الكلام على ذلك في باب الاستنجاء بالماء إن شاء الله تعالى.
وعن ابن عباس رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم مر بقبرين فقال: إنهما يعذبان وما يعذبان في كبير، أما أحدهما فكان لا يستتر من بوله، وأما الآخر فكان يمشي بالنميمة رواه الجماعة. وفي رواية للبخاري والنسائي: وما يعذبان في كبير ثم قال: بلى كان أحدهما وذكر الحديث.
قوله: فقال إنهما يعذبان أعاد الضمير إلى القبرين مجازا والمراد من فيهما. قوله:
لا يستتر بمثناتين من فوق الأولى مفتوحة والثانية مكسورة وهو هكذا في أكثر الروايات، قاله ابن حجر في الفتح. وفي رواية لمسلم وأبي داود يستنزه بنون ساكنة بعدها زاي ثم هاء وفي رواية لابن عساكر يستبرئ بموحدة ساكنة من الاستبراء فعلى الرواية الأولى معنى الاستتار أن لا يجعل بينه وبين بوله سترة يعني لا يتحفظ منه فتوافق الرواية الثانية لأنها من التنزه وهو الابعاد وقد وقع عند أبي نعيم: كان لا يتوقى وهو مفسر للمراد، وأجراه بعضهم على ظاهره فقال معناه لا يستر عورته وضعف لأن التعذيب لو وقع على كشف العورة لاستقل الكشف بالسببية واطرح اعتبار البول وسياق الحديث يدل على أن للبول بالنسبة إلى عذاب القبر خصوصية، فالحمل على ما يقتضيه الحديث المصرح بهذه الخصوصية أولى وقد ثبت من حديث أبي هريرة مرفوعا: أكثر عذاب القبر من البول أي بسبب ترك التحرز منه وقد صححه ابن خزيمة وسيأتي حديث: تنزهوا من البول فإن عامة عذاب القبر منه قال ابن دقيق العيد وأيضا فإن لفظة من لما أضيفت إلى البول وهي لابتداء الغاية حقيقة، وأما يرجع إلى معنى ابتداء الغاية مجازا تقتضي نسبة الاستتار الذي عدمه سبب العذاب إلى البول، يعني أن ابتداء سبب عذابه من البول، وإذا حملناه على كشف العورة زال هذا المعنى. قوله: من بوله هذه الرواية ترد مذهب من حمل البول على العموم، واستدل