ابن سلمة عن أيوب عن عكرمة فذكره، ورجال إسناده ثقات محتج بهم في الصحيح، وقد سكت عنه أبو داود المنذري، وقد قال ابن الصلاح والنووي وغيرهما، أنه يجوز الاحتجاج بما سكت عنه أبو داود، وصرح أبو داود نفسه أنه لا يسكت إلا عن الحديث الصالح للاحتجاج، ويشهد له حديث الامر بالاتزار وحديث: لك ما فوق الإزار وأما حديث مسروق عن عائشة فهو مثل حديث أنس بن مالك السابق المتفق عليه. وأما حديث حزام بن حكيم فأورده الحافظ في التلخيص ولم يتكلم عليه، وإسناده في سنن أبي داود فيه صدوقان وبقيته ثقات. وقد روى أبو داود من حديث معاذ بن جبل نحوه وقال: ليس بالقوي، وفي إسناده بقية عن سعيد بن عبد الله الأغطش. ورواه الطبراني من رواية إسماعيل بن عياش عن سعيد بن عبد الله الخزاعي، فإن كان هو الأغطش فقد توبع بقية وبقيت جهالة حال سعيد. قال الحافظ: لا نعرف أحدا وثقه، وأيضا عبد الرحمن بن عائد راويه عن معاذ قال أبو حاتم: روايته عن علي مرسلة، وإذا كان كذلك فمن معاذ أشد إرسالا.
والحديث الأول يدل على جواز الاستمتاع من غير تخصيص بمحل دون محل من سائر البدن غير الفرج، لكن مع وضع شئ على الفرج يكون حائلا بينه وبين ما يتصل به من الرجل. والحديث الثاني يدل على جواز الاستمتاع بما عدا الفرج. والحديث الثالث يدل على جواز الاستمتاع بما فوق الإزار من الحائض وعدم جوازه بما عداه، فمن أجاز التخصيص بمثل هذا المفهوم خصص به عموم كل شئ المذكور في حديث أنس وعائشة، ومن لم يجوز التخصيص به فهو لا يعارض المنطوق الدال على الجواز، والخلاف في جوازه وعدمه قد سبق في أول الباب.
وعن عائشة قالت: كانت إحدانا إذا كانت حائضا فأراد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أن يباشرها أمرها أن تأتزر بإزار في فور حيضتها ثم يباشرها متفق عليه. قال الخطابي: فور الحيض أوله ومعظمه.
قوله: أن يباشرها المراد بالمباشرة هنا التقاء البشرتين لا الجماع. قوله: أن تأتزر في رواية للبخاري: تتزر قال في الفتح: والأولى أفصح، والمراد بالاتزار أن تشد إزارا تستر سرتها وما تحتها إلى الركبة. قوله: في فور حيضتها هو بفتح الفاء وإسكان الواو، ومعناه كما قال الخطابي كما ذكره المصنف. وقال القرطبي: فور الحيضة معظم صبها من فوران القدر وغليانها، والكلام على فقه الحديث قد تقدم.