لما هلك السلطان أبو الوليد ابن الرئيس أبى سعيد المتغلب على ملك الأندلس من يد ابن عمه أبى الجيوش قام بالأمر بعده ابنه محمد طفلا صغير النظر وزيره محمد بن المحروق من بيوت الأندلس وصنائع الدولة واستبد عليه فلما شب وناهز أنف من الاستبداد عليه وأغراه المعلوجي من حشمه بالوزير فاغتاله وقتله سنة تسع وعشرين وشمر للاستبداد وشد أواخي الملك وكان الطاغية قد أخذ جبل الفتح سنة تسع وجاورت النصرانية به ثغور الفرضة وكان شجا في صدرها وأهم المسلمين شأنه وشغل عنهم صاحب المغرب بما كان فيه من فتنة ابنه فرجعوا الجزيرة وحصونها إلى ابن الأحمر منذ سنة ثنتي عشرة لأول المائة الثامنة واستغلظ الطاغية عليهم بعد ذلك فرجعوا الجزيرة إلى صاحب المغرب سنة تسع وعشرين وولى عليها السلطان أبو سعيد من أهل دولته سلطان بن مهلهل من عرب الخلط أخواله وأسف الطاغية إلى حصونها عند مهلك السلطان أبى سعيد فلك أكثرها ومنع البحر من الإجازة وقارن ذلك استبداد صاحب الأندلس وقتله لوزيره ابن المحروق وأهمه شأن الطاغية فبادر لإجازة البحر ووفد على السلطان أبى الحسن بدار ملكه من فاس سنة ثنتين وثلاثين فأكبر موصله وأركب الناس للقائه وأنزله بروض المصارة لصق داره واستبلغ في تكريمه وفاوضه ابن الأحمر في شأن المسلمين وراء البحر وما أهمهم من عدوهم وشكا إليه حال الجبل واعتراضه شجا في صدر الثغور فأشكاه السلطان وعامل الله في أسباب الجهاد وكان مشغوفا به متقبلا مذهب جده يعقوب فيه وعقد لابنه الأمير أبى مالك على خمسة آلاف من بنى مرين وأنفذه مع السلطان محمد بن إسماعيل لمنازلة الجبل فاحتل بالجزيرة وتتابع إليه الأسطول بالمدد وأرسل ابن الأحمر حاشرين في الأندلس فتسايلوا إليه واضطرب معسكر هم جميعا بساحة الجبل وأبلوا في حربه ومنازلته البلاء الحسن إلى أن تغلبوا عليه سنة ثلاث وثلاثين واقتحمه المسلمون عنوة ونفلهم الله من كان به من النصرانية بما معهم ووافاه الطاغية بأمم الكفر لثالثة فتحه وقد شحنه المسلمون بالأقوات نقلوها من الجزيرة على خيولهم وباشر نقلها الأمير أبو مالك وابن الأحمر فنقلها الناس عامة وتحيز الأمير أبو مالك إلى الجزيرة وترك بالجبل يحيى بن طلحة بن محلى من وزراء أبيه ووصل الطاغية بعد ثلاث فأناخ عليه وبرز أبو مالك بعساكره فنزل بحذائه وبعث إلى الأمير أبى عبد الله صاحب الأندلس فوصل بحشد المسلمين بعد أن دوخ أرض النصرانية وخرج فنزل بإزاء عسكر الطاغية وتحصن العدو في محلتهم وقاموا كذلك عادية لقرب العهد بارتجاعه وخفة ما به من الحامية والسلاح فبادر السلطان ابن الأحمر إلى لقاء الطاغية وسبق الناس إلى فسطاطه عجلا بائعا نفسه من الله في رضا المسلمين وسد فرجتهم فتلقاه الطاغية راجلا
(٢٥٥)