الطاغية أيام منها يوم الا رد ليعقوب بن المنصور وغيره من الأيام حتى إذا فشلت ريح الموحدين وافترقت كلمتهم وتنازع الامر سادة بنى عبد المؤمن الأمراء بالأندلس وتحاربوا على الخلافة واستجاشوا بالطاغية وأمكنوه من كثير من حصون المسلمين طعمة على الاستظهار فخشى أهل الأندلس على أنفسهم وثاروا بالموحدين وأخرجوهم وتولى ذلك ابن هود بمرسية وشرق الأندلس وعم بدعوته سائر أقطارها وأقام الدعوة فيها للعباسيين وخاطبهم ببغداد كما ذكرناه في أخبارهم واستوفينا كلا بما وضعناه في مكانه ثم انحجز ابن هود على الغريبة لبعدها عنه وفقده للعصابة المتناولة لها وانه لم تكن صنعته في الملك مستحكمة وتكالب الطاغية على الأندلس من كل جهة وكثر اختلاف المسلمين منهم وشغل بنو عبد المؤمن بما دهمهم من المغرب من شأن بنى مرين من زناتة فتكافى محمد بن يوسف بن الأحمر أمر الغربية وثار بحصنه أرجولة وكان شجاعا قرما ثبتا في الحروب فتلقف الكرة من يد ابن هود يجاذبه الحبل ويقارعه على عمالات الأندلس واحدة بعد أخرى إلى أن هلك ابن هود سنة خمس وثلاثين وتكالب العدو خلال ذلك على جزيرة الأندلس من كل جانب ووفر له ابن هود الجزية وبلغ بها أربعمائة ألف من الدنانير في كل سنة ونزل له على ثنتين من حصون المسلمين وخشى ابن الأحمر أن يستغلظ عليه بالطاغية فجنح هو إليه وتمسك بعروته ونفر في جملته إلى منازلة إشبيلية نكاية لأهلها ولما هلك الأمير أبو زكريا نبذ الدعوة الحفصية واستبد لنفسه وتسمى بأمير المسلمين ونازعه بالشرق أعقاب ابن هود وبنى مردنيش ودعاه الامر إلى النزول للطاغية من بلاد الفرنتيرة فنزل عليها بأسرها وكانت هذه المدة من سنة سبعين فترة ضاعت فيها ثغور المسلمين واستبيح حماهم والتهم العدو بلادهم وأموالهم نهبا في الحروب ووضيعة ومداراة في السلم واستولى طواغيت الكفر على أمصارها وقواعدها فملك ابن أدفوش قرطبة سنة ست وأربعين وتملك قط برشلونة مدينة بلنسية سنة سبع وثلاثين إلى ما بينهما من الحصون والمعاقل التي لا تعد ولا تحصى وانقرض أمر الثوار بالشرق وتفرد ابن الأحمر بغرب الأندلس وضاق نطاقه عن الممانعة دون البسائط الفيح من الفرنتيرة وما قاربها ورأى أن التمسك بها مع قلة العدد وضعف الشوكة مما يوهن أمره ويطمع فيه عدوه فعقد السلم مع الطاغية على النزول عنها أجمع ولجأ بالمسلمين إلى سيف البحر معتصمين بأوعاره من عدوهم واختار لنزله مدينة غرناطة وابتنى بها لسكانه حصن الحمراء حسبما شرحنا ذلك كله في مواضعه وفى أثناء هذا كله لم يزل صريخه ينادى بالمسلمين من وراء البحر والملا من أهل الأندلس يفسدون على أمير المسلمين أبى يوسف للإعانة ونصر الملة واستنقاذ الحرم والولد ان من أنياب العدو فلا يجد مفزعا إلى
(١٩٠)