أحفظته وأغذ السير إلى الفرتيرة وعقد لولده الأمير أبى يعقوب على خمسة آلاف من عسكره وسرح كتائبه في البسائط وخلال المعاقل تنسف الزرع وتحطم الغروس وتخرب العمران وتنتهب الأموال وتكتسح السرح وتقتل المقاتلة وتسبى النساء والذرية حتى انتهى إلى المدور وتالسة وأبده وأقتحم حصن بلمة عنوة وأتى على سائر الحصون في طريقه فطمس معالمها واكتسح أموالها وقفل والأرض تموج سبيا إلى أن عرس باستجة من تخوم دار الحرب وجاء النذير باتباع العدو آثارهم لاستنقاذه أسراهم وارتجاع أموالهم وان زعيم الروم وعظيمهم ذننه خرج في طلبهم بأمم بلاد النصرانية من المحتلم فما فوقه فقدم السلطان الغنائم بين يديه وسرح ألفا من الفرسان أمامها وسار يقتفيها حتى إذا طلت رايات العدو من ورائهم كان الزحف ورتب المصاف وجرد وذكر وراجعت زناتة بصائرها وعزائمها وتحركت هممها وأبلت في طاعة ربها والذب عن دينها وجاءت بما يعرف من بأسها وبلائها في مقاماتها ومواقفها ولم يكن الا كلا ولا حتى هبت ريح النصر وظهر أمر الله وانكشفت جموع النصرانية وقتل الزعيم ذننه والكثير من جموع الكفر ومنح الله المسلمين أكتافهم واستمر القتل فيهم وأحصى القتلى في المعركة فكانوا ستة آلاف واستشهد من المسلمين ما يناهز الثلاثين أكرمهم الله بالشهادة وآثرهم بما عنده ونصر الله حزبه وأعز أولياءه ونصر دينه وبدا للعدو ما لم يحتسبه بمحاماة هذه العصابة عن الملة وقيامها بنصر الكلمة وبعث أمير المسلمين برأس الزعيم ذننه إلى ابن الأحمر فرده زعموا سرا إلى قومه بعد أن طيبه وأكرمه ولاية أخلصها لهم مداراة وانحرافا عن أمير المسلمين ظهرت شواهده عليه بعد حين كما نذكره وقفل أمير المسلمين من غزاته إلى الجزيرة منتصف ربيع من سنته فقسم في المجاهدين الغنائم وما نفلوه من أموال عدوهم وسباياهم وأسراهم وكراعهم بعد الاستئثار بالخمس لبيت المال على موجب الكتاب والسنة ليصرفه في مصارفه ويقال كان مبلغ الغنائم في هذه الغزاة مائة ألف من البقر وأربعة وعشرين ألفا ومن الأسارى سبعة آلاف وثمان مائة وثلاثين ومن الكراع أربعة عشر ألفا وستمائة وأما الغنم فاتسعت عن الحصر كثرة حتى لقد زعموا بيع الشاة في الجزيرة بدرهم واحد وكذلك السلاح وأقام أمير المسلمين بالجزيرة أياما ثم خرج؟؟ غازيا إلى أشبيلية فجاس خلالها وتقري نواحيها وأقطارها وأثخن بالقتل والنهب في جهاتها وعمرانها وارتحل إلى شريش فأذاقها وبال العيث والاكتساح ورجع إلى الجزيرة لشهرين من غزاته ونظر في اختطاط مدينة بفرضة المجاز من العدوة لنزل عسكره منتبذا عن الرعية لما يلحقهم من ضرر العسكر وجفائهم وتحيز لها مكانا لصق الجزيرة فأوغر ببناء المدينة المشهورة بالبنية وجعل ذلك لنظر من يثق به من
(١٩٣)