ذلك بما كان فيه من مجاذبة الحبل مع الموحدين ثم مع يغمراسن ثم شغله بفتح بلاد المغرب وتدويخ أقطاره إلى أن هلك السلطان أبو عبد الله محمد بن يوسف بن الأحمر المعروف بالشيخ وأبى دبوس لقبين كانا له على حين استكمال أمير المسلمين فتح المغرب وفراغه من شأن عدوه سنة احدى وسبعين على أن بنى مرين كانوا يؤثرون الجهاد ويسمون إليه وفى نفوسهم جنوح إليه وصاغية ولما استوحش بنو إدريس بن عبد الحق فخرجوا سنة احدى وستين على السلطان يعقوب بن عبد الحق واسترضاهم واستصلحهم انتدب الكثير منهم للغزو وإجازة البحر لصريخ المسلمين بالأندلس واجتمع إليهم من مطوعة بنى مرين عسكر ضخم من الغزاة ثلاثة آلاف أو يزيدون وعقد السلطان على ذلك العسكر لعامر بن إدريس فوصلوا إلى الأندلس فكان لهم فيها ذكر ونكاية في العدو وكان الشيخ ابن الأحمر عهد إلى ولده القائم بالأمر بعده محمد الشهير بالفقيه لانتحاله طلب العلم أيام أبيه وأوصاه أن يتمسك بعروة أمير المسلمين ويخطب نصره ويدر أبه ويقدمه عن نفسه وعن المسلمين تكالب الطاغية فبادر لذلك لحين مواراة أبيه وأوفد مشيخة الأندلس كافة عليه ولقيه وفدهم منصرفا من فتح سجلماسة خاتم الفتوح بالثغور المغربية وملاذ العز ومقاد الملك وتبادروا للاسلام وألقوا إليه كنه الخبر عن كلب العدو على المسلمين وثقل وطأته فحيا وفدهم ورؤساءهم وبادر لإجابة داعى الله واستئثار الجنة وكان أمير المسلمين منذ أول أمره مؤثرا أعمال الجهاد كلفا به مختارا له حتى أعطى الخيار سائر آماله حتى لقد كان اعتزم على الغزو إلى الأندلس أيام أخيه الأمير أبى يحيى وطلب اذنه في ذلك عندما ملكوا مكناسة سنة ثلاث وأربعين فلم يأذن له وفصل إلى الغزو في حشمه وذويه ومن أطاعه من عشيرته وأوعز الأمير أبو يحيى لصاحب الامر بسبتة لذلك العهد أبى علي بن خلاص بأن يمنعه الإجازة ويقطع عنه أسبابها ولما انتهى إلى قصر الجواز ثنى عزمه عن ذلك الولي يعقوب بن هارون الخبري ووعده بالجهاد أميرا مستنفرا للمسلمين ظاهرا على العدو فكان في نفسه من ذلك شغل واليه صاغية فلما قدم عليه هذا الوفد نبهوا عزائمه وذكروا همته فأعمل في الاحتشاد وبعث في النفير ونهض من فاس شهر شوال من سنة ثلاث وسبعين إلى فرصة المجاز من طنجة وجهز خمسة آلاف من قومه أزاح عللهم واستوفى أعطياتهم وعقد عليهم لابنه منديل وأعطاه الراية واستدعى من الغد في صاحب سبتة السفن لاجازتهم فوافاه بقصر الجواز عشرون من الأساطيل فأجازوا العسكر ونزل بطريف وأراح ثلاثا ودخل دار الحرب وتوغل فيها وأجلب على ثغورها وبسائطها وامتلأت أيديهم من المغانم وأثخنوا بالقتل والأسر وتخريب العمران ونسف الآثار حتى نزل بساحة شريس فحام حاميتها عن اللقاء
(١٩١)