أن الرشيد كان عقد على أعمالها لابي علي بن الخلاص من أهل بلنسية وأنه بعد استفحال الأمير أبى زكريا بإفريقية ومهلك الرشيد صرف الدولة إليه سنة أربعين وبعث إليه بالمال والبيعة مع ابنه أبى القاسم وولى على طنجة يوسف بن محمد بن عبد الله بن أحمد الهمداني المعروف بابن الأمير قائدا على الرجل الأندلسيين وضابطا للقصبة وعقد الأمير أبو زكريا على سبتة لابي يحيى بن أبي زكريا ابن عمه أبى يحيى السيد بن الشيخ أبى حفص فنزل بها واستراب أبو علي بن خلاص من العواقب عند مهلك ابنه الوافد على السلطان غريقا في البحر فرحل بجملته إلى تونس في السفن وأراح ببجاية فكان فيها هلاكه سنة ست وأربعين ويقال هلك في سفينته ودفن ببجاية ولما هلك الأمير أبو زكريا سنة سبع بعدها انتقض أهل سبتة على ابنه المنتصر وطردوا ابن الشهيد وقتلوا العمال الذين كانوا معه وصرفوا الدعوة للمرتضى وتولى ذلك حجفون الرنداحي بمداخلة أبى القاسم الغرفي كبير المشيخة بسبتة وأعظمهم تجلة نشأ في حجر أبيه الفقيه الصالح أبى العباس أحمد مكنوفا بالجلالة مغذوا بالعلم والدين لما كان له فيها قدم إلى أن هلك فأوجب أهل البلد لابنه ما عرفوه من حقه وحق أبيه من قبله وكانوا يفزعون إليه في المهمات ويسلمون له في الشورى فأغرى الرنداحي بهذه الفعلة ففعلها وعقد المرتضى لابي القاسم الغرفي على سبتة مستقلا من غير اشراف أحد من السادة ولا من الموحدين واكتفى بغنائه في ذلك الثغر وعقد لحجفون الرنداحي على قيادة الأساطيل بالمغرب فورثها عنه بنوه إلى أن زاحمهم الغرفي بمناكب رياسته فقوضوا عن سبتة فمنهم من نزل بمالقة على ابن الأحمر ومنهم من نزل ببجاية على أبي حفص ولهم في الدولتين آثار تشهد برياستهم واستقل الفقيه أبو القاسم الغرفي برياسة سبتة وأورثها بنيه من بعده على ما نذكره بعد وكانت طنجة تالية سبتة في سائر الأحوال وتبعا لها فاتبع ابن الأمير صاحبها امارة الفقيه أبى القاسم ثم انتقض عليه لسنة واستبد وخطب لابن أبي حفص ثم للعباسي ثم لنفسه وسلك فيها مسلك الغرفي في سبتة ولبثوا كذلك ما شاء الله حتى إذا ملك بنو مرين الغرب ولبثوا في شعابه ومدوا اليد في ممالكه فتناولوها ونزلوا معاقله وحصونه فافتتحوها وهلك الأمير أبو يحيى عبد الحق وابنه عمر من بعده وتحيز بنوه في ذويهم واتباعهم وحشمهم إلى ناحية طنجة وأصيلا فأوطنوا ضاحيتها وأفسدوا سابلتها وضيقوا على ساكنها واكتسحوا ما حواليها وشارطهم ابن الأمير على خراج معلوم على أن يكفوا الأذية ويحموا الحوزة ويصلحوا السابلة فاتصلت يده بيدهم وترددوا إلى البلد لاقتضاء حاجاتهم ثم مكروا وأضمروا الغدر ودخلوا في بعض أيامهم متأبطين السلاح وفتكوا بابن الأمير غيله فثارت بهم العامة لحينهم واستلحموا في مصرع واحد
(١٨٦)