للقدرة ولا للإرادة بطرق العدم، لما بيناه في محله، من أن القدرة جسمانية ونفسانية. فالأولى هي القوة المثبتة في العضلات المترتبة عليها الحركات الجسدانية والثانية هي قوة النفس على الحركات الفكرية. والعدم لا ترتب له على شئ من القوتين، والإرادة هي المخرجة لما هو بالقوة - بالإضافة إلى القوتين - إلى مرحة الفعلية، والعدم بعدم الإرادة.
والتحقيق: أن ابقاء عدم الوجوب، أو عدم الحرمة - مثلا - بأحد وجهين:
الأول إنشاء عدمهما اظهارا لبقاء عدمهما على حاله، والانشاء خفيف المؤونة، وقصد ثبوت مفهوم عدم الوجوب بقوله (لا يجب) إنشاء امر معقول، والانشاء بالإضافة إلى ما يدعو إليه ويترتب عليه: تارة - بنحو التحقيق والايجاد، كالانشاء بداعي جعل الداعي، فإنه محقق الدعوة بالامكان وأخرى - بنحو الكشف والاظهار، كالانشاء بداعي الارشاد فإنه ليس جعلا للرشد، بل لإظهار رشد العبد وخيره في ما تعلق به الانشاء.
فكذا في طرف عدم التكليف، فإنه حيث لا يعقل تحقيق عدم الدعوة بالانشاء، فهو لاظهار بقاء عدم جعل الداعي على حاله، ولابد من حمل (لا تنقض) - الشامل لليقين بالوجوب، وبعدمه - على الانشاء بالتقريب المزبور.
والثاني - إبقاء العدم على حاله، بعدم جعل الداعي عن اختيار.
فان عدم الفعل: تارة - في حال الغفلة أو عدم القدرة، فالفعل في مثل هذه الحالة غير اختياري، والترك على طبع الفعل. وأخرى - في حال الالتفات والقدرة على الفعل، فابقاء العدم حينئذ - بعدم إعمال القدرة في ايجاده - عن شعور والتفات. والفعل - حينئذ - حيث أنه مقدور وقابل لتأثير القدرة فيه، فلا محاله يكون الترك على طبع الفعل، وليس للعدم والترك، حظ من الاستناد إلى الشخص أزيد مما ذكر.
وعليه فالشارع عند جعل الطريقية، وشرع الشريعة مع القدرة على جعل الوجوب إذ أبقى عدم الوجوب على حاله بعدم قلبه إلى نقيضه، كان هذا العدم