نعم إن قلنا: بأن التكاليف الشرعية من أول انعقاد الشريعة كلها فعليات، إما وجودا أو عدما فلا حالة سابقة لاحد الامرين، وإنما يجري الشقان المذكوران إذا قلنا بأن مجعولات الشارع إنشاءات بداعي البعث والزجر، وتكون فعلية تارة، وغير فعلية أخرى.
هذا كله فيما إذا كان الزمان قيدا مقوما للواجب.
وأما إذا كان ظرفا للوجوب وقد مر (1) أن الظرفية المحضة لغو، فلابد من أن يكون قيدا مقوما للوجوب، فحينئذ يكون حاله حال الواجب الموقت.
فاستصحاب عدم الوجوب الموقت بالعدم الأزلي غير مجد، لما مر، وعدم الوجوب الموقت في موضع التشريع غير متيقن، وعدم الوجوب الموقت الفعلي غير معقول، حتى على القول بامكان الواجب المعلق، لأن فعلية وجوب فعل موقت، وإن كان معقولا، إلا أن فعلية الوجوب الموقت - قبل الوقت - خلف، فالعدم البديل لوجوده غير معقول، وعدم الوجوب الموقف الفعلي في الوقت مشكوك لا متيقن، فهذا هو الوجه في عدم جريان استصحاب عدم الوجوب الموقف.
وأما ما يقال (2): من أن القابل للتوقيت هو وجود الشئ وعدمه، لا نفس ماهية الشئ فالمستصحب إن كان عدم ماهية الشئ فهو أجنبي عن استصحاب عدم الوجوب الموقت، وإن أريد استصحاب عدم وجود الوجوب الموقت، فالعدم لا يعرض الوجود، فأن أريد استصحاب عدمه - في الوقت - فهو مشكوك لا متيقن، كنفس وجود الوجوب الموقت.
فهو مدفوع: بأن العدم الذي يستحيل عروضه على الوجود ما هو بديله؟
وأما عدم المقدر وجوده موقتا، فليس بديلا إلا للوجود الفعلي، لا للوجود التقديري، فكما يلاحظ وجود الوجوب الموقت، ولو لم يكن موجودا كذلك.