إلا أنه قد روى الشيخ أيضا عن يعقوب البزاز (1) قال: " قلت له أقوم قبل الفجر بقليل فأصلي أربع ركعات ثم أتخوف أن ينفجر الفجر أبدأ بالوتر أو أتم الركعات؟ قال لا بل أوتر وأخر الركعات حتى تقضيها في صدر النهار ".
وقد جمع الشيخ ومن تأخر عنه بين الخبرين بحمل هذه الرواية على الأفضلية.
أقول: من المحتمل قريبا اختصاص الخبر الأول بما إذا طلع الفجر بعد تمام التلبس بالأربع كما هو مورد الخبر ومحل المسألة، وأما الثاني فظاهره أنه بعد صلاة الأربع إنما تخوف أن ينفجر الفجر لقربه لا أنه انفجر بالفعل فصار الأمر متعارضا عنده بين اتمام الثمان ركعات وبين الوتر بمعنى أن الوقت لا يسع إلا أحدهما فأمره (عليه السلام) بتقديم الوتر وتأخير الركعات حتى يقضيها، وهذا ليس من محل المسألة في شئ حتى يحتاج إلى الجمع بما ذكروه، فإنه قد دلت الأخبار - وبه صرح الأصحاب أيضا - على أنه لو لم يبق من الوقت ما يسع صلاة الليل كاملة قدم الوتر فإنه يكتب له بها ثواب صلاة الليل وقضى الصلاة بعد الصبح، ففي صحيحة محمد بن مسلم عن أبي جعفر (عليه السلام) (2) قال:
" سألته عن الرجل يقوم من آخر الليل وهو يخشى أن يفجأه الصبح أيبدأ بالوتر أو يصلي الصلاة على وجهها حتى يكون الوتر آخر ذلك؟ قال بل يبدأ بالوتر، وقال إنا كنت فاعلا ذلك " وصحيحة معاوية بن وهب (3) قال: " سمعت أبا عبد الله (عليه السلام) يقول أما يرضى أحدكم أن يقوم قبل الصبح ويوتر ويصلي ركعتي الفجر ويكتب له بصلاة الليل؟ " وهذا الخبر من هذا القبيل ولا فرق بين ما دل عليه هذان الخبران والخبر المذكور إلا باعتبار دلالة ذلك الخبر على تلبسه بأربع ركعات، وهو لا يصلح للفرق لأن ظاهر هذين الخبرين أن الأفضل المحافظة على الوتر وتقديمها في هذا الوقت وترجيحها على صلاة الليل فيه. وبالجملة فإن ظاهر هذه الأخبار أنه متى كان الوقت الثاني لا يسع إلا الثمان مخففة أو الوتر كاملة فإن الأفضل تقديم الوتر سواء صلى شيئا من الثمان أم لا.