ورواية شهاب بن عبد ربه، ثم ساق الرواية ثم قال: ولا ريب أن الاحتياط للدين يقتضي اعتبار ذهاب الحمرة أو ظهور النجوم وإن كان الاكتفاء بغروب الشمس لا يخلو من قوة. انتهى.
أقول: لا ريب في بعد هذه المحامل كلها، والذي ظهر لي من معنى هذه الأخبار ورزقني الله سبحانه فهمه منها ببركة الأئمة الأبرار (عليهم السلام) هو أنه لما كان وقت المغرب عند العامة جميعا في جميع الأمصار وجملة الأعصار والأدوار عبارة عن مجرد غيبوبة القرص عن النظر مع عدم الحائل وكان الوقت عندهم (عليهم السلام) إنما هو عبارة عن زوال الحمرة المشرقية كما عليه جل شيعتهم قديما وحديثا، فربما أفتوا بما يوافق العامة صريحا كالأخبار التي قدمناها صريحة في ذلك وربما أفتوا بما يوافق مذهبهم (عليهم السلام) صريحا كالأخبار التي قدمنا صريحة في القول المشهور، وربما عبروا بعبارات مجملة تحتمل الأمرين كالأخبار الصحاح التي قدمنا نقلها عن المدارك ونحوها مع ما ورد في بعض أخبارهم (عليهم السلام) من تفسير الغيبوبة الكاشف عن هذا الاجمال كما عرفت، وربما عبروا عن مذهبهم بعبارات تشير إليه وإن كانت غير ظاهرة الدلالة عليه كما تضمنته هذه الأخبار الأخيرة مثل الأمر بالأخذ بالاحتياط في رواية عبد الله بن وضاح ومثل التعليل في رواية يعقوب بن شعيب بعد الأمر بالتسمية بأن الشمس تغيب من عندكم قبل أن تغيب من عندنا وإنما العلة الحقيقية هي انتظار زوال الحمرة المشرقية، وربما عللوه بانتظار ظهور كوكب أو ثلاث كواكب كما في روايتي شهاب بن عبد ربه وبكر ابن محمد وروايتي زرارة. فهذه العلل كلها إنما خرجت مخرج التقية للتحاشي عن التصريح بمخالفة القوم باعتبار ما تضمنته المقامات والأوقات حيث إنها لا تقتضي إظهار مذهبهم (عليهم السلام) الواقعي فيجعلونه في هذه القوالب التي لا يستنكرها المخالف لو سمعها، ويزيدك بيانا لما ذكرناه خبر جارود وشكايته (عليه السلام) من أولئك القوم أنه أسر إليهم ونصحهم في الباطن أن يمسوا بالمغرب يعني انتظار زوال الحمرة دون العمل على مجرد غيبوبة القرص فأذاعوا سره وحدثوا به حتى أفرطوا في التمسية وأخروها