فمضمض أخرجها أبو داود وغيره. قال الحافظ في الفتح: إن إسنادها صحيح، وقد رد الحافظ أيضا في التلخيص ما أعل به حديث لقيط من أنه لم يرو عن عاصم بن لقيط بن صبرة إلا إسماعيل بن كثير وقال ليس بشئ لأنه روى عنه غيره وصححه الترمذي والبغوي وابن القطان، وقال النووي: هو حديث صحيح، رواه أبو داود والترمذي وغيرهما بالأسانيد الصحيحة. ومن أدلة القائلين بالوجوب حديث أبي هريرة الذي سيذكره المصنف في هذا الباب بلفظ: أمر رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بالمضمضة والاستنشاق عند الدارقطني. وذهب مالك والشافعي والأوزاعي والليث والحسن البصري والزهري وربيعة ويحيى بن سعيد وقتادة والحكم بن عتيبة ومحمد بن جرير الطبري والناصر من أهل البيت إلى عدم الوجوب. وذهب أبو حنيفة وأصحابه والثوري وزيد بن علي من أهل البيت عليهم السلام إلى أنهما فرض في الجنابة وسنة في الوضوء، فإن تركهما في غسله من الجنابة أعاد الصلاة، واستدلوا على عدم الوجوب في الوضوء بحديث: عشر من سنن المرسلين وقد رده الحافظ في التلخيص وقال: إنه لم يرد بلفظ عشر من السنن بل بلفظ من الفطرة، ولو ورد لم ينتهض دليلا على عدم الوجوب، لأن المراد به السنة أي الطريقة لا السنة بالمعنى الاصطلاحي الأصولي، وقد ذكرنا ذلك فيما تقدم. واستدلوا أيضا بحديث ابن عباس مرفوعا بلفظ: المضمضة والاستنشاق سنة رواه الدارقطني، قال الحافظ:
وهو حديث ضعيف. وبحديث: توضأ كما أمرك الله وليس في القرآن ذكر المضمضة والاستنشاق والاستنثار. ورد بأن الامر بغسل الوجه أمر بها كما سبق. وبأن وجوبها ثبت بأمر رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم والامر منه أمر من الله بدليل: * (وما آتاكم الرسول فخذوه) * (الحشر: 7) * (قل إن كنتم تحبون الله فاتبعوني) * (آل عمران: 31) وتمكن مناقشة هذا بأنه إنما يتم لو أحاله فقط كما وقع لابن دقيق العيد وغيره. وأما بالنظر إلى تمام الحديث وهو: فاغسل وجهك ويديك وامسح رأسك واغسل رجليك فيصير نصا على أن المراد كما أمرك الله في خصوص آية الوضوء لا في عموم القرآن، فلا يكون أمره صلى الله عليه وآله وسلم بالمضمضة داخلا تحت قوله للأعرابي: كما أمرك الله فيقتصر في الجواب على أنه قد صح أمر رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بها، والواجب الاخذ بما صح عنه، ولا يكون الاقتصار على البعض في مبادئ التعاليم ونحوها موجبا لصرف ما ورد بعده وإخراجه عن الوجوب، والالزام قصر واجبات الشريعة بأسرها على الخمس المذكورة في حديث ضمام بن ثعلبة مثلا،