العدد لم يتعين بذلك غير العصر من سائر الصلوات، إذ لا بد أن يتعين الابتداء ليعرف الوسط ولا دليل على ذلك، ولو فرضنا وجود دليل يرشد إلى الابتداء لم ينتهض لمعارضة الأحاديث الصحيحة المتفق عليها المتضمنة لاخبار الصادق المصدوق أن الوسطى هي العصر، فكيف يليق بالمتدين أن يعول على مسلك النظر المبني على شفا جرف هار ليتحصل له به معرفة الصلاة الوسطى؟ وهذه أقوال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم تنادي ببيان ذلك. واحتج أهل القول الثاني بأن الظهر متوسطة بين نهاريتين وبأنها في وسط النهار، ونصب هذا الدليل في مقابلة الأحاديث الصحيحة من الغرائب التي لا تقع لمنصف ولا متيقظ، واحتجوا أيضا بقوله تعالى: * (أقم الصلاة طرفي النهار وزلفا من الليل) * (هود: 114) فلم يذكرها ثم أمر بها حيث قال: * (لدلوك الشمس) * (الاسراء: 78) وأفردها في الامر بالمحافظة عليها بقوله: * (والصلاة الوسطى) * (البقرة: 228) وهذا الدليل أيضا من السقوط بمحل لا يجهل، نعم أحسن ما يحتج به لهم حديث زيد بن ثابت وأسامة بن زيد وسيأتيان وسنذكر الجواب عليهما. واحتج أهل القول الثالث بأن الصبح تأتي وقت مشقة بسبب برد الشتاء وطيب النوم في الصيف والنعاس وفتور الأعضاء وغفلة الناس، وبورود الأخبار الصحيحة في تأكيد أمرها، فخصت بالمحافظة لكونها معرضة للضياع بخلاف غيرها، وهذه الحجة ليست بشئ، ولكن الأولى الاحتجاج لها بما رواه النسائي عن ابن عباس قال: أدلج رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ثم عرس فلم يستيقظ حتى طلعت الشمس أو بعضها فلم يصل حتى ارتفعت الشمس فصلى وهي صلاة الوسطى ويمكن الجواب عن ذلك من وجهين: الأول أن ما روي من قوله في هذا الخبر وهي صلاة الوسطى يحتمل أن يكون من المدرج وليس من قول ابن عباس، ويحتمل أن يكون من قوله، وقد أخرج عنه أبو نعيم أنه قال: الصلاة الوسطى صلاة العصر وهذا صريح لا يتطرق إليه من الاحتمال ما يتطرق إلى الأول فلا يعارضه. الوجه الثاني ما تقرر من القاعدة أن الاعتبار عند مخالفة الراوي روايته بما روى لا بما رأى، فقد روى عنه أحمد في مسنده قال: قاتل رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم عدوا فلم يفرغ منهم حتى أخر العصر عن وقتها، فلما رأى ذلك قال:
اللهم من حبسنا عن الصلاة الوسطى املأ بيوتهم نارا أو قبورهم نارا وذكر أبو محمد بن الفرس في كتابه في أحكام القرآن أن ابن عباس قرأ * (حافظوا على الصلوات والصلاة الوسطى) * (البقرة: 238) صلاة العصر على البدل، على أن ابن عباس لم يرفع تلك المقالة إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بل قالها من قبل نفسه وقوله ليس بحجة. واحتج أهل القول الرابع