وفي رواية للبخاري: ولكن دعي الصلاة قدر الأيام التي كنت تحيضين فيها ثم اغتسلي وصلي.
الحديث قد أسلفنا بعض الكلام عليه في باب الغسل من الحيض، وعرفانك هنالك أن فيه دلالة على أن المرأة إذا ميزت دم الحيض من دم الاستحاضة تعتبر دم الحيض وتعمل على إقباله وإدباره، فإذا انقضى قدره اغتسلت منه، ثم صار حكم دم الاستحاضة حكم الحدث فتتوضأ لكل صلاة لا تصلي بذلك الوضوء أكثر من فريضة واحدة، كما سيأتي في باب وضوء المستحاضة لكل صلاة، وقد بينا في باب غسل المستحاضة لكل صلاة عدم انتهاض الأحاديث الواردة بوجوب الغسل عليه لكل صلاة أو للصلاتين، أو من ظهر إلى ظهر، وعرفناك أن الحق أنه لا يجب عليها الاغتسال إلا عند إدبار الحيضة لهذا الحديث، وقد ذكرنا الخلاف في ذلك هنالك.
والحاصل أنه لم يأت في شئ من الأحاديث الصحيحة ما يقضي بوجوب الاغتسال عليها لكل صلاة أو لكل يوم أو للصلاتين، بل لادبار الحيضة كما حديث فاطمة المذكور فلا يجب على المرأة غيره، وقد أوضحنا هذا في باب غسل المستحاضة. وأحكام المستحاضة مستوفاة في كتب الفروع والأحاديث الصحيحة، منها ما يقضي بأن الواجب عليها الرجوع إلى الغسل بصفة الدم كما في حديث فاطمة بنت أبي حبيش الآتي في الباب الذي بعد هذا. ومنها ما يقضي باعتبار العادة كما في أحاديث الباب، ويمكن الجمع بأن المراد بقوله: أقبلت حيضتك الحيضة التي تتميز بصفة الدم، أو يكون المراد بقوله:
إذا أقبلت الحيضة في حق المعتادة والتمييز بصفة الدم في حق غيرها، وينبغي أن يعلم أن معرفة إقبال الحيضة قد يكون بمعرفة العادة، وقد يكون بمعرفة دم الحيض، وقد يكون بمجموع الامرين. وفي حديث حمنة بنت جحش بلفظ: فتحيضي ستة أيام أو سبعة أيام وهو يدل على أنها ترجع إلى الحالة الغالبة في النساء وهو غير صالح للاحتجاج، كما ستعرف ذلك في باب من قال تحيض ستا أو سبعا، ولو كان صالحا لكان الجمع ممكنا كما سيأتي. وقد أطال المصنفون في الفقه الكلام في المستحاضة، واضطربت أقوالهم اضطرابا يبعد فهمه على أذكياء الطلبة، فما ظنك بالنساء الموصوفات بالعي في البيان والنقص في الأديان وبالغوا في التعسير حتى جاؤوا بمسألة المتحيرة فتحيروا. والأحاديث الصحيحة قد قضت بعدم وجودها، لأن حديث الباب ظاهر في معرفتها إقبال الحيضة وإدبارها،