فلا ينتهض لتخصيص المنطوق، ورد بأن الحديث سبق لاظهار التشريف، فلو كان جائزا بغير التراب لما اقتصر عليه، وأنت خبير بأنه لم يقتصر على التراب إلا في هذه الرواية، نعم الافتراق في اللفظ حيث حصل التأكيد في جعلها مسجدا دون الآخر، كما سيأتي في حديث مسلم يدل على الافتراق في الحكم، وأحسن من هذا أن قوله تعالى في آية المائدة منه يدل على أن المراد التراب، وذلك لأن كلمة من للتبعيض، كما قال في الكشاف أنه لا يفهم أحد من العرب من قول القائل مسحت برأسه من الدهن والتراب إلا معنى التبعيض، انتهى. فإن قلت: سلمنا التبعيض فما الدليل على أن ذلك البعض هو التراب؟
قلت: التنصيص عليه في الحديث المذكور. ومن الأدلة الدالة على أن المراد خصوص التراب ما ورد في القرآن والسنة من ذكر الصعيد والامر بالتيمم منه وهو التراب، لكنه قال في القاموس: والصعيد التراب أو وجه الأرض، وفي المصباح: الصعيد وجه الأرض ترابا كان أو غيره. قال الزجاج: لا أعلم اختلافا بين أهل اللغة في ذلك. قال الأزهري: ومذهب أكثر العلماء أن الصعيد في قوله تعالى: * (صعيدا طيبا) * هو التراب.
وفي كتاب فقه اللغة للثعالبي: الصعيد تراب وجه الأرض ولم يذكر غيره. وفي المصباح أيضا ويقال الصعيد في كلام العرب يطلق على وجوه: على التراب الذي على وجه الأرض، وعلى وجه الأرض، وعلى الطريق، ويؤيد حمل الصعيد على العموم تيممه صلى الله عليه وآله وسلم من الحائط فلا يتم الاستدلال. وقد ذهب إلى تخصيص التيمم بالتراب العترة والشافعي وأحمد وداود. وذهب مالك وأبو حنيفة وعطاء والأوزاعي والثوري إلى أنه يجزئ بالأرض وما عليها وسيعقد المصنف لذلك بابا: قوله: أينما أدركتني الصلاة في الرواية الثانية: فأينما أدركت رجلا من أمتي الصلاة وفي الصحيحين: فأيما رجل من أمتي أدركته الصلاة فليصل.
وقد استدل به على عموم التيمم بأجزاء الأرض لأن قوله: فأينما أدركت رجلا. وأيما