كالكتابة والمشي والأكل والشرب وسائر الأفاعيل الاختيارية التي يتقدمها علم وإرادة زائدتان على النفس فان تلك الأفعال متى لم يتصور أولا للنفس ولم تصدق النفس بفائدتها تصديقا يقينيا أو ظنيا أو تخيليا أو جهليا لم يصدر عنها فعل شئ من تلك الأفعال واما الأفاعيل البدنية فليس حصولها من النفس الا بتبعية شعورها بذاتها الذي هو عين ذاتها بتبعية عشقها لكمال ذاتها المقتضية لشوقها الجبلي لتوابع ذاتها شوقا تابعا للشوق إلى مبدئها الأصلي وهذه المعاني وان كانت برهانية لكن ادراكها لا يمكن الا بنور (1) البصيرة والكشف ولذلك مما خفيت على أكثر المتفكرين فضلا عن المجادلين والمقلدين.
ومما ينبه على ما ذكرناه من أن قوه النفس سارية في جميع الأعضاء بوجوه التصرفات اللائقة بكل مرتبه من المراتب الحيوانية والنباتية والطبيعية هو انه لو لم يتعلق اعتناء النفس بتعديل المزاج وحفظ الاتصال لم يتألم بتغير المزاج عند أدنى مغير من حر أو برد أو حركه أو تعب أو هبوب ريح مشوش إلى غير ذلك من الأمور التي ليست من الأمور النفسانية كالمخوفات والمبشرات والانذارات وما يجرى مجراها وكذا ينبغي ان تتأذى النفس من تفرق الاتصال والجراحات تأذيا جزئيا في الحال وكان يجب ان يكون جميع الآلام والمؤذيات الواقعة على الانسان من باب خوف العاقبة وخطر المال وسوء الآخرة ولم يكن المرض وتفرق الاتصال مؤلما في الحال لكن التوالي باطله فعلم أن النفس بذاتها موضوعه لهذه الانفعالات والادراكات لسراية قوتها إلى معدن الطبيعة فصارت محلا لهذه العاهات والآلام وعرضه لهذه البليات والأمراض بل الموت أيضا وارد عليها من جهة ورودها إلى هذا العالم بقدر الله وليس بوارد على محل الايمان والمعرفة بالله واليوم الآخر وانما يرد على محل الجهل والظلمة والحركة والاستحالة.
ومن الشواهد الدالة على أن النفس بذاتها فاعله لا فاعل الطبيعية من الجذب