والحر والبرد ونحوها وكذا الذوق يدرك الطعم وبتوسط الطعم يدرك بالعظم بان يدرك طعما كثيرا ويدرك بالعدد بان يجد طعوما مختلفه فاما ادراكه (1) للحركة والسكون فضعيف جدا بل لا يكون الا بالاستعانة باللمس.
واما الشم فإنه لا يدرك شيئا من ذلك الا العدد بإعانة من العقل وهو ان يعلم أن الذي انقطعت رائحته غير الذي حصلت ثانيا.
واما السمع فإنه لا يدرك العظم ولكنه يدل العقل بشركته بان الأصوات القوية لا يحصل في غالب الامر الا من الجسم العظيم وبالجملة فادراك البصر لهذه الأشياء المعدودة أقوى وإن كان ادراكه أيضا بإعانة من العقل وان سئلت الحق فاعلم أن لا شئ من الادراك الحسى الا وقوامه بالادراك الخيالي ولا شئ من التخيل الا وقوامه بالتعقل كما أن الحس لو جرد عن العقل لم يكن موجودا ولا أمكن وجوده منحاذا عن العقل وليس الحواس بالقياس إلى مستعملها كالآلات الصناعية بالقياس إلى مستعملها حيث يتصور للقدوم والمنحت وجود وان فرض عدم النجار ولا يتصور للسمع والبصر وجود مع قطع النظر عن القوة العقلية في الانسان وعن النفس الحيوانية في غيره من الحيوان وكذا لا يتصور للنفس وجود الا بالعقل ولا للعقل وجود الا بالباري جل ذكره وقد انجر الكلام إلى هذا المطلب وليس هاهنا محل تحقيقه وكأنه قد مرت الإشارة إليه سابقا فإذا كان الامر في الحواس ما ذكرناه فهكذا يجب ان يعلم الحال في المحسوسات فكل محسوس فهو معقول بمعنى انه مدرك للعقل بالحقيقة لكن الاصطلاح قد وقع على تسميه هذا الادراك الجزئي الذي بوساطة الحس بالمحسوس قسيما للمعقول أعني ادراك المجردات الكلية هذا.
وربما توهم بعض الناس انه لا بد للحيوان من حس آخر غير هذه الخمسة لادراك تلك الأمور المعدودة وهذا باطل لما علمت أن تلك الأمور من المحسوسات المشتركة التي يدرك بكل واحد من هذه الخمسة فهي غير محتاجة إلى حس سادس بل لو كان في الوجود حس آخر كان معطلا من جهة ان الحواس الخمس بل بعضها وافية بادراك هذه الأمور والتعطيل مستحيل كما علمت في الوجود