المحسوسات الخمس ويجتمع فيه ولولاه لطال الامر على الحيوان ويقع في المهالك فان بعض الحيوانات كالفراش وغيرها لفقده الحس الباطني ربما يتهافت على النار مره بعد أخرى وقد تأذى بها ولو كان له تخيل (1) وحفظ لما وقع الاحساس به أولا لم يكن يعود إلى ما تأذى به مره ثم مع ذلك ناقص لأنه لم يمكنه الحذر مما لا يدركه بالحس إذ ما لم يتأذ بشئ فلا يدرى انه مما يحذر منه فخلق الله للحيوانات الكاملة كالفرس وغيره قوه يدرك بها معنى جزئيا لا تدخل تحت حس ولا تخيل وتلك القوة هي الواهمة فان الفرس مثلا يحذر من الأسد إذا رآه أولا من غير أن يتأذى به فلا يكون حذره موقوفا على أن يحس به مره ويتأذى به وكذا الشاه يرى الذئب أولا فيحذره ويرى الجمل والبقر وهما أعظم منه شكلا وأهول صوره فلا يحذرهما والى الان يشارك البهائم الانسان في هذه الادراكات وبعد هذا يكون الترقي إلى حدود الانسانية فيدرك عواقب الأمور والأشياء التي لم يدخل تحت حس ولا تخيل ولا توهم ولا يقع الاقتصار في الحذر والطلب على العاجلة بل يحذر الشرور الأجلة ويطلب الخيرات الآخرة فميز الله الانسان من بين الحيوان بقوة أخرى هي أشرف من الكل بها يدرك منافع الأمور ومضارها وخيرات الآخرة وشرورها.
ثم اعلم أن الحيوان لو اقتصر فيه على خلق الحواس والمدارك لادراك الموافق من الأغذية والأدوية وغير الموافق ولم يخلق له ميل في الطبع وشوق في النفس إليه أو اراده إياه في العقل يستحثه على حركه إلى الموافق أو مقابلات هذه يستحثه على حركه عن المخالف لكان البصر وسائر الحواس معطلة في حقه فاضطر ان يكون له ميل إلى ما يوافقه يسمى شهوة ونفره عما يخالفه يسمى كراهة ليطلب بالشهوة الملائم ويهرب بالكراهة المنافى ثم هذه المرتبة من الميل والنفرة في جمله القوى المحركة وان كفت في كمال وجود الحيوان بما هو حيوان لكن لا يكفي في كمال وجود الانسان