لكان شعوره لا يتعدى عما جبل عليه فعناية الله تعالى تعلقت بخلق ما هو أكمل وجودا من النبات فأنعم على الحيوان قوه الاحساس وقوة حركه في طلب الغذاء فأول مراتب الحواس هي حاسه اللمس لان الحاجة بها أمس ولهذا يعم الحيوانات كلها ويسرى في الأعضاء كلها الا نادرا لان الحيوان الأرضي مركب من عناصر متضادة الكيفيات الأولية قد اعتدلت وتصالحت واستقرت على كيفية واحده بضرب من الوحدة وصلاحه باعتدالها وفساده بانحرافها عن ذلك الاعتدال فلا يتصور حيوان الا وأن يكون له هذا الحس لأنه وان لم يحس أصلا فليس بحيوان وانقص درجات الحس ان يحس بما يلاصقه ويماسه فان الاحساس بما يبعد منه احساس أتم وأقوى وهذا الحس تجده في كل حيوان حتى الدود التي في الطين فإنه إذا غرز فيها إبرة انقبضت للهرب لا كالنبات يقطع فلا ينقبض إذ لا يحس بالقطع الا ان الحيوان اللمسي كالدود ناقص الحياة لا يقدر على طلب الغذاء من حيث يبعد عنه فافتقر في كماله إلى حس يدرك ما بعد عنه فأفادت له العناية قوه الشم لكنه يدرك به الرائحة ولا يدرى انها جاءت من أي ناحية فيحتاج إلى أن يطوف كثيرا من الجوانب فربما يعثر على الغذاء الذي شم ريحه وربما لم يعثر فيكون في غاية النقصان أيضا لو لم يخلق فيه غير هذا فخلق له البصر ليدرك ما بعد عنه ويدرك جهته فيقصد تلك الجهة بعينها الا انه مع ذلك يكون ناقصا إذ لا يدرك به ما وراء الجدار والحجب فلا يبصر غذاء يحجب عنه ولا يبصر عدوا يحجب عنه وقد لا ينكشف الحجاب الا بعد قرب العدو فيعجز عن الهرب فخلق له السمع حتى يدرك به الأصوات من وراء الجدران عند جريان الحركات ولأن الانسان لا يدرك بالبصر الا شيئا حاضرا واما الغائب فلا يمكن معرفته الا بكلام ينظم من حروف وأصوات يدرك بحس السمع فاشتدت الحاجة فينا إليه فخلق لنا ذلك وميزنا بفهم الكلام عن سائر الحيوانات وكل ذلك ما كان يغنينا ولا للحيوان لو لم يكن قوه الذوق إذ يصل الغذاء فلا يدرك انه موافق أو مخالف فيأكله وربما يكون مهلكا كالشجرة يصب في أصلها كل مايع ولا ذوق لها فتجتذبه وربما يكون ذلك سبب جفافها ثم كل ذلك لا يكفي لو لم يخلق في مقدم الدماغ ادراك آخر يسمى بالحس المشترك يتأدى إليه
(١٥٧)