فيعينانه على طريقه الذي يسلكه ويحسنان مرافقته في السفر الذي هو بصدده وقد يستعصيان عليه استعصاء بغى وتمرد حتى يملكانه ويستعبد انه وفيه هلاكه وانقطاعه عن سفره الذي به وصوله إلى سعادة الأبد وللقلب جند آخر وهو العلم والحكمة والتفكر وحقه ان يستعين بهذا الجند فإنه حزب الله على الجندين الآخرين فإنهما يلتحقان بحزب الشيطان فان ترك الاستعانة به وسلط على نفسه الغضب والشهوة هلك يقينا وخسر خسرانا مبينا وذلك حال أكثر الخلق فان عقولهم صارت مسخرة لشهواتهم في استنباط الحيل لقضاء الشهوة ويجب ان يكون شهواتهم مسخرة لعقولهم فيما يفتقر إليه انتهى كلامه ولعمري انه صدر من عين البصيرة ومنبع التحقيق وربما عبر هو وأترابه عن القوى المدركة بالطيارة وعن القوى المحركة بالسيارة وذلك لان القوى المدركة أسرع وصولا إلى مقاصدها ومدركاتها بل ضرب منها آني الوصول إلى المعلوم وضرب منها محض الادراك بالفعل بلا قوه منتظرة، وهذا بخلاف القوى المحركة فإنها لا تخلو عن تراخى زمان وتجدد أحوال.
واعلم أن كون نسبه القوى إلى النفس كنسبة الملائكة إلى الرب مما ذهب إليه كثير من أعاظم العلماء منهم صاحب اخوان الصفا حيث ذكر فيه قال الملك لحكيم من الجن كيف طاعة الملائكة لرب العالمين قال كطاعة الحواس الخمس للنفس الناطقة قال زدني بيانا قال الا ترى أيها الملك ان الحواس الخمس في ادراك محسوساتها وايرادها اخبار مدركاتها إلى النفس الناطقة لا يحتاج إلى امر ونهى ولا وعد ولا وعيد بل كلما همت به النفس الناطقة بأمر محسوس امتثلت الحاسة لما همت به وأدركتها وأوردتها إليها بلا زمان ولا تأخر ولا ابطاء وهكذا طاعة الملائكة لرب العالمين الذين لا يعصون الله ما أمرهم ويفعلون ما يؤمرون لأنه احكم الحاكمين.
واعلم أن النفس ما دام كونه متعلقه بالبدن غير واصلة إلى النشأة الكاملة العقلية لا تصرف لها الا في القوى الحيوانية التي علمت أقسامها الثلاثة وما يتفرع عنها من القوى المبثوثة في الجسم وأما إذا كملت لعلم والعمل فيطيعها الأكوان العقلية والروحانية والحسية كلها طاعتها لملك الملوك