خلافة الموحدين نهض الأمير أبو زكريا إلى المغرب الأوسط ودخلت في طاعته قبائل صنهاجة وفرت زناتة أمامه وردد إليهم الغزو فأصاب منهم وتقبض في بعض غزواته على عبد القوى بن العباس أمير بنى توجين فاعتقله بالحضرة ثم من عليه وأطلقه على أن يستألف له قومه فصاروا شيعة له ولقومه آخر الدهر ونهض الأمير أبو زكريا بعدها إلى تلمسان فكان عبد القوى وقومه في جملته حتى إذا ملك تلمسان ورجع إلى الحضرة عقد لعبد القوى هذا على قومه ووطنه وأذن له في اتخاذ الآلة فكانت أول مراسم الملك لبنى توجين هؤلاء وكانت حالهم مع بنى عبد الواد تختلف في السلم والحروب ولما هلك السعيد على يد يغمراسن وقومه كما ذكرناه استنفر يغمراسن سائر أحياء زناتة لغزو المغرب ومسابقة بنى مرين إليه فنفر معه عبد القوى في قومه سنة سبع وأربعين وانتهوا إلى تازى واعترضهم أبو يحيى بن عبد الحق أمير بنى مرين في قومه فنكصوا واتبعهم إلى انكاد فكان اللقاء وانكشفت جموع بنى يادين وكانت الهزيمة التي ذكرناها في أخبار بنى عبد الواد وهلك عبد القوى مرجعه منها في سنته بالموضع المعروف باحمون من مواطنهم وتصدى للقيام بعده بأمرهم ابنه يوسف فمكث في تلك الامارة أسبوعا ثم قتله على جدث أبيه أخوه محمد بن عبد القوى ولى عهد أبيه سابع مواراته وفر ابنه صالح بن يوسف إلى بلاد صنهاجة بجبال لمدية فأقام بها هو وبنوه واستقل محمد برياسة بنى توجين واستغلظ ملكه وكان الفحل الذي لا يقرع أنفه ونازعه يغمراسن أمره ونهض إلى حربه سنة تسع وأربعين وعمد إلى حصن تافركينت فنازله وبه يومئذ حافده علي بن زيان بن محمد في عصابة من قومه فحاصره أياما وامتنعت عليه فارتحل عنها ثم تواضعوا أوزار الحرب ودعاه يغمراسن إلى مثل ما دعا إليه أباه من غزو بنى مرين في بلادهم فأجاب ونهضوا سنة سبع وخمسين ومعهم مغراوة فانتهوا إلى كلدمان ما بين تازى وأرض الريف ولقيهم يعقوب بن عبد الحق في جموعه فانكشفوا ورجعوا منهزمين إلى بلادهم كما ذكرناه وكانت بينه وبين يغمراسن بعد ذلك فتن وحروب فنازله فيها بجبل وانشريس مرات وجاس خلال وطنه ولم يقع بعدها بينهما مراجعة لاستبداد يغمراسن بالملك وسموه إلى التغلب على زناتة أجمع وبلادهم وكانوا جميعا منحاشين إلى الدولة الحفصية وكان محمد بن عبد القوى كثير الطاعة للسلطان المستنصر (ولما نزل) النصارى الإفرنجة بساحل تونس سنة ثمان وستين وطمعوا في ملك الحضرة بعث المستنصر إلى ملوك زناتة بالصريخ فصرفوا وجوههم إليه وخف من بينهم محمد بن عبد القوى في قومه ومن احتشد من أهل وطنه ونزل على السلطان بتونس وأبلى في جهاد العدو أحسن البلاء وكانت له في أيامه معهم مقامات مذكورة ومواقف
(١٥٦)