وتركوها قفرا ولحقت عساكر الموحدين فعاثوا فيها تخريبا ونهبا وألصقت جدرانها بالأرض وتنفس مخنق بجاية من الحصار وانكمش بنو عبد الواد إلى ما وراء تخومهم وفى خلال ذلك انتقض أبو على ابن السلطان أبى سعيد على أخيه وصمد من مقره بسجلماسة إلى درعة وفتك بالعامل وأقام فيها دعوته كما نذكر ذلك بعد وطار الخبر إلى السلطان أبى الحسن بمحلته بتاسالت فنهض راجعا إلى المغرب لحسم دائه وراجع السلطان أبو تاشفين عزه وانبسطت عساكره في ضواحي عمله وكتب الكتائب وبعث بها مددا للسلطان أبى على ثم استنفر قبائل زناتة وزحف إلى تخوم المغرب سنة ثلاث وثلاثين ليأخذ بحجزة السلطان أبى الحسن عن أخيه وانتهى إلى الثغر من تاوريدت ولقيه هناك تاشفين ابن السلطان أبى الحسن في كتيبة جهزها أبوه معه هنالك لسد الثغور ومعه منديل بن حماسة شيخ بنى تيريفن من بنى مرين في قومه فلما برزوا إليه انكشف ورجع إلى تلمسان ولما تغلب السلطان أبو الحسن على أخيه وقتله سنة أربع وثلاثين جمع لغزو تلمسان وحصارها ونهض إليها سنة خمس وقد استنفذ وسعه في الاحتفال لذلك واضطربت بها عساكره وضرب عليها سياج الأسوار وسرادقات الحفائر أطيفت عليهم حتى لا يكاد الطيف يخلص منهم ولا إليهم وسرح كتائبه إلى القاصية من كل جهة فتغلب على الضواحي وافتتح الأمصار جميعا وخرب وجدة كما يأتي ذكر ذلك كله وألح عليها بالقتال يغديها ويراوحها ونصب المجانيق وانحجز بها مع السلطان أبى تاشفين زعماء زناتة من بنى توجين وبنى عبد الواد وكان عليهم في بعض أيامها اليوم المشهور الذي استلحمت فيه أبطالهم وهلك أمراؤهم وذلك أن السلطان أبا الحسن كان يباكرهم في الأسحار فيطوف من وراء أسواره التي ضربها عليهم شوطا يرتب المقاتلة ويثقف الأطراف ويسد الفروج ويصلح الخلل وأبو تاشفين يبعث العيون في ارتصاد فرصة فيه وأطاف في بعض الأيام منتبذا عن الجملة فكمنوا له حتى إذا سلك ما بين الجبل والبلد انقضوا عليه يحسبونها فرصة قد وجدوها وضايقوه حتى كاد السرعان من الناس أن يصلوا إليه وأحس أهل المعسكر بذلك فركبوا زرافات ووحدانا وركب ابناه الأميران أبو عبد الرحمن وأبو مالك جناحا عسكره وعقابا جحافله وتهاوت إليهم صقور بنى مرين من كل جو فانكشفت عساكر البلد ورجعوا القهقري ثم ولوا الادبار منهزمين لا يلوى أحد منهم على أحد واعترضهم مهوى الخندق فتطارحوا فيه وتهافتوا على ردمه فكان الهالك يومئذ بالردم أكثر من الهالك بالقتل وهلك من بنى توجين يومئذ كبير الحشم وعامل جبل وانشريس ومحمد بن سلامة بن علي أمير بنى يدللتن وصاحب القلعة تاوغزوت وما إليها من عملهم وهما ما هما في زناتة إلى أشباه لهما وأمثال استلحموا في هذه
(١١٠)