له بذلك خلالا ويغريه بالكمال وكان عمه أبو عامر إبراهيم بن يغمراسن ثرى بما نال من جوائز الملوك في وفاداته وما أقطع له أبوه وأخوه سائر أيامهما ولما هلك سنة ست وتسعين أوصى أخاه عثمان بولده فضمهم إليه ووضع تراثهم بموضع ماله حتى يأنس منهم الرشد في أحوالهم حتى إذا كانت غزاة ابنه أبى سرحان هذه وعلا فيها ذكره وبعد صيته رأى السلطان أبو حمو أن يدفع إليه تراث أبيه لاستجماع حلاله فاحتمل إليه من المودع ونمى الخبر إلى ولده أبى تاشفين وباطنته السوء من العلوجين فحسبوه مال الدولة قد حمل إليه لبعد عهدهم بما وقع في تراث أبى عامر أبيه واتهموا السلطان بايثاره بولاية العهد دون ابنه فأغروا أبا تاشفين بالوثب على الامر وحملوه على الفتك بمشنويه مسعود بن أبي عامر واعتقال السلطان أبى حمو ليتم له الاستبداد وتحينوا لذلك قائلة الهاجرة عند ما انصرف السلطان من مجلسه وقد اجتمع إليه ببعض حجر القصر خاصته من البطانة وفيهم مسعود بن أبي عامر والوزراء من بنى الملاح وكان بنو الملاح هؤلاء قد استخصهم السلطان بحجابته سائر أيامه وكان مسمى الحجابة عنده قهرمة الدار والنظر في الدخل والخرج وهم أهل بيت من قرطبة كانوا يحترفون فيها بسكة الدنانير والدراهم وربما دفعوا إلى النظر في ذلك ثقة بأماناتهم نزل أولهم بتلمسان مع جالية قرطبة فاحترفوا بحرفتهم الأولى وزادوا إليها الفلاحة وتحلوا بخدمة عثمان بن يغمراسن وابنه وكان لهم في دولة أبى حمو مزيد حظوة وعناية فولى على حجابته منهم لأول دولته محمد بن ميمون ابن الملاح ثم بنه محمد الأشقر من بعده ثم ابنه إبراهيم بن محمد من بعدهما واشترك معه من قرابته علي بن عبد الله بن الملاح فكانا يتوليان مهمه بداره ويحضران خلوته مع خاصته فحضروا يومئذ مع السلطان بعد انفضاض مجلسه كما قلناه ومعه من القرابة مسعود القتيل وحماموش بن عبد الملك بن حنيفة ومن الموالى معروف الكبير ابن أبي الفتوح بن عشر من ولد نصر بن علي أمير بنى يزيد بن توجين وكان السلطان قد استوزره (فلما علم) أبو تاشفين باجتماعهم هجم ببطانته عليهم وغلبوا الحاجب على بابه حتى ولجوه متسايلين بعد أن استمسكوا من اغلاقه حتى إذا توسطوا الدار اعتوروا السلطان بأسيافهم فقتلوه وحام أبو تاشفين عنها فلم يفرجوا عليه ولاذ أبو سرحان منهم ببعض زوايا الدار واستمكن من غلقها دونهم فكسروا الباب وقتلوه واستلحموا من كان هنالك من البطانة فلم يفلت الا الأقل وهلك الوزراء بنو الملاح واستبيحت منازلهم وطاف الهاتف بسكك المدينة بأن أبا سرحان غدر بالسلطان وابن ابنه أبا تاشفين ثأر منه فلم يخف على الناس الشأن وكان موسى بن علي الكردي قائد العساكر قد سمع الصيحة فركب إلى القصر فوجد مغلقا دونه
(١٠٥)