وأما كونه مولدا له أو لآبائه مع استمرارهم فيه، كما هو متداول في كثير من إطلاقات أهل العرف، فلم يثبت انحصار العرف فيه.
بل الظاهر من العرف العام ما يشمل ذلك، وما يجعله محل سكناه مستمرا ولا يتزلزل في ذلك ولا يريد الخروج منه، وإن كان لا ينوي عدم الخروج عنه ما دام العمر أبدا.
فيكفي فيه ما يظهر منه إرادة ذلك، مثل بناء الدار وغرس البساتين والأشجار ونحو ذلك، منضما إلى قطع العلاقة عن غير ذلك المكان، وإرادة السكون في ذلك.
وكما لا تجب نية عدم الخروج عنه ما دام العمر، فقد لا تجب نية البقاء مستمرا وقصده مخطرا بالبال.
فيكفي الاستمرار الفعلي لمن سكن في محل آبائه، ويستمر على ذلك، وإن لم يتفطن لقصد البقاء ولا الخروج.
والظاهر أن الاستيطان والاتطان ونحوهما يدل على أن الوطن قد يحصل قهرا كما في الصورة المفروضة، فاختياره غير هذا الموضع القهري استيطان.
وأما مجرد السكون في محل بلا قصد الاستمرار فلا يسمى وطنا عرفا، وإن طال مقامه فيه، وإن كان معه أهله.
ثم إن ما يفهمه أهل العرف هو أن يكون له فيه مقر، ولا يفهمون اعتبار ملكية المقر، ولا ثبوت مطلق الملك له، فتكفي إجارة البيت ولو إلى آخر عمره، سيما في البلاد التي يتعارف ذلك فيها.
ثم إن الأقوى عندي في تحقق صدق المشتق حقيقة هو اعتبار وجود المبدأ، وكذلك ما في معنى المشتق كالوطن، بل وكذلك الجامدات كالماء، فلا يطلق الماء على الهواء المنقلب عنه حقيقة.
إذا عرفت هذا فالوطن لا يطلق حقيقة إلا على ما كان وطنا بالفعل.