وعدمه على الثاني بملاحظة أن الامارة في الوجه الثاني (1) توجب حدوث المصلحة الغالبة في نفس الفعل، فيكون الحكم المنبعث عن مثل هذه المصلحة حكما واقعيا لنفس الفعل، وانكشاف الخلاف يوجب تبدل الموضوع، بخلاف الوجه الثالث فان الامارة لا تحدث مصلحة في الفعل، بل توجب مصلحة في تطبيق العمل على مدلول الامارة من حيث إنها حاكية عن الحكم الواقعي، فعنوانها مقتض لثبوت الحكم الواقعي لا مناف له.
أقول: كلا الوجهين غير خال عن المحذور.
أما الأول فلان مصلحة الجعل غير استيفائية، بل قائمة بفعل الآمر، لا بفعل المأمور، فكيف يتدارك بها ما يفوت من المصلحة الواقعية، كما رتبه - قدس سره - عليه، كما سنشير إليه إن شاء الله تعالى.
مع أن البعث نحو تطبيق العمل إذا كان عن إرادة متعلقة به، فلا بد من فرض مصلحة في المراد، فيعود المحذور من مزاحمة المصلحتين.
وإذا لم يكن منبعثا عن إرادة تشريعية - كما تفردنا به وتعرضنا لوجهه مرارا - فلا بد من انبعاث البعث الحقيقي عن مصلحة في المبعوث إليه، فان البعث كما مر مرارا ايجاد تسبيبي من المولى لفعل العبد، فالغرض متعلق بالوجود لا بحيثية صدوره من المولى.
وما أشهر من حديث مصلحة التسهيل فليس هذه المصلحة في البعث الا باعتبار أن الرخصة في ترك المكلف تحصيل العلم في مقام الامتثال تسهيل تشريعا، لأن الاقتصار على العمل بالأمارات سهل، فايجابه تسهيل من الشارع، لا أن ايجاب العمل - مع قطع النظر عن سهولة العمل بالامارات - يقوم به مصلحة التسهيل. فتدبر جيدا.
وأما الثاني ففيه أولا: أن قيام الامارة المخالفة - على الوجه الثاني المذكور في كلامه - ليس واسطة في ثبوت المصلحة لنفس الفعل ليكون الحكم المنبعث عنها