ثم إن الغاية تارة - هو العلم بماله من الحيثية الذاتية بأحد الوجهين، وأخرى - يكون العلم عنوانا ومعرفا لحيثية الوصول المعتبر، أو لحيثية المنجر بما هو منجز - ولو جعلا - لا خصوص المنجز بالذات، وسيظهر الفرق بينهما إن شاء الله تعالى.
وأما أدلة اعتبار الامارة فتارة بعنوان إحدى الحيثيتين الذاتيتين، وكان اعتبار الامارة بعنوان انها علم كما استظهرناه (1) من قوله تعالى: (فاسئلوا أهل الذكر إن كنتم لا تعلمون) (2) حيث أن الظاهر الأمر بالسؤال لكي يعلموا بالجواب لا بأمر زائد على الجواب، ومن قوله عليه السلام في المقبولة (روى حديثنا ونظر في حلالنا وحرامنا وعرف أحكامنا) (3) حيث أن استفادة الأحكام من أحاديثهم عليهم السلام - مع كونها غالبا ظنية السند والدلالة - قد أطلقت عليها المعرفة، فحينئذ يكون الخبر بمقتضى أمثال هذه الأدلة - منزلا منزلة العلم في كونه وصولا للواقع، أو منجرا له، ولا منافاة بين ثبوت الحكم الظاهري إلى غاية، وبين الحكم بثبوت الغاية بالخبر، فيكون تنزيلا حقيقة وورودا تنزيلا، وهي الحكومة الاصطلاحية المقبولة.
وأما إذا كان العلم معرفا وعنوانا لمطلق الوصول المعتبر، ولمطلق الحجة القاطعة للعذر، وكان اعتبار الامارة بعنوان أنها علم، فالخبر حينئذ منزل منزلة العلم عنوانا، ويكون له الورود الحقيقي على الأصل.
أما إن التنزيل عنواني لا حقيقي، فلأن المنزل عليه - وهو العلم - لا أثر له بخصوصه، لا من حيث ذاته، ولا من حيث وصوله الذاتي ومنجزيته الذاتية، بل هو عنوان لما هو الغاية حقيقة، وهو مطلق الوصول المعتبر، ومطلق المنجز بخلاف الشق المتقدم، فان العلم بماله من الحيثية الخاصة به غاية، فلذا كان التنزيل هناك حقيقيا وهنا عنوانيا.