ومن هنا اتضح حال الطهارة والنجاسة - على كلا المسلكين وعلى كلا الوجهين - من حيث كونها أمورا واقعية أو اعتبارات شرعية وضعية، فإنها - بناء على كونها من الأمور الواقعية - مقولات عرضية.
وقد عرفت أنها بعد حدوثها بأسبابها محفوظة بمحلها إلى أن يحدث ما يزيلها، فان العرض - وإن كان ضعفا في نفسه - لا يزول بنفسه وليس له في حد نفسه أمد خاص وعمر مخصوص، فمنشأ الشك في بقاء ليس إلا الشك في رافعها حكما أو موضوعا.
وأما بناء على انها اعتبارات شرعية وضعية، فنفس الاعتبار الوضعي، قد عرفت أنه قابل لأن يكون محدودا بالزمان، بأن يكون المعتبر هي الطهارة في زمان خاص - كالطهارة ما دامت الحاجة إلى الجبيرة وقبل البرء - فإذا شك في أن المعتبر محدود بالزمان، فلا محالة يكون الشك في المقتضي بالمعنيين: اي من حيث كونه محدودا بالزمان، وله عمر خاص تشريعا، ومن حيث احتمال المصلحة في الطهارة المحدودة بزمان خاص.
كما أنه قابل لأن لا يكون له أمد خاص، وله مزيل مخصوص، فالشك حينئذ في الرافع، إلا أنه - قد مر - ان المذي مثلا لا يعقل أن يكون عدمه دخيلا في اقتضاء المقتضي، بل في فعلية تأثيره بقاء، فلا معنى لجعل الطهارة مغياة بعدم المذي، بحيث يقتضي اقتضائها عند وجوده، فالشك في مثله شك في الرافع على كلا المسلكين.
وكذا في مثل اعتبار النجاسة المغياة بعدم الغسل مرة، فإنها غير محددة بزمان خاص، ولا يعقل دخل عدم الغسل مرة في اقتضاء المقتضي لاعتبار النجاسة.
وأما اعتبار النجاسة في الماء ما دام التغير بحيث يكون التغير بالنجس، مقوما للمقتضي - حدوثا وبقاء - فيمكن أن يدخل بهذه الملاحظة في الشك في المقتضي.
نعم يندفع احتمال كون التغير مقوما للمقتضي بتقريب: أن التغير ليس هو بنفسه من النجاسات مؤثرا في تنجيس الماء بل بناء على أن النجاسة امر واقعي