السادسة: إذا حلف: إذا أكلت رؤوسا انصرف إلى ما جرت العادة بأكله كرؤوس البقر والغنم والإبل، فلا يحصل الحنث بأكل رؤوس الطيور والسمك والجراد عند الأكثر ترجيحا للعرف على اللغة.
وخالف ابن إدريس فحكم بحصول الحنث بأحد هذه الأشياء حملا للفظ على معناه اللغوي. وتردد المحقق في ذلك، ولعل العرف غير منضبط بخلاف اللغة، ولأن اللغة حقيقة إجماعا بخلاف العرف، إذا العادة ناقلة من الحقيقة اللغوية أو مخصصة، كلاهما مجاز غايته أن يصير راجحا، وإذا تعارض الحقيقة المرجوحة والمجاز الراجح وقع الاشكال في الترجيح.
ولو ادعى صيرورة العرف حقيقة ففي ترجيح أحد الحقيقتين على الأخرى خلاف مشهور بين الأصوليين، وإن كان المختار من ذلك ترجيح العرف على اللغة لكن بشرط أن يكون منضبطا، والمعتبر منه عرف الحالف. هذا كله إذا لم ينو الحالف شيئا معينا، وإلا تعين لما عرفت من أن إطلاق اليمين تابع للنية ومقيد بها.
السابعة: لو حلف أن لا يأكل لحما فالخلاف الجاري في المسألة السابقة جار هاهنا، ويقوى هنا أنه يحنث بالجميع. وهذان القولان للشيخ، وعدم دخول لحم الطير والسمك حيث إن العرف لا يساعد عليه بخلاف اللغة.
والمذهب الأول للشيخ في الخلاف وعليه الأكثر الاطلاق اسم اللحم على السمك في قوله تعالى (ومن كل تأكلون لحما طريا) (1) وقد قواه ابن إدريس هنا مع ذهابه في الأول إلى التقييد مستدلا بترجيح عرف الشرع على العادة، عملا بالحقيقة اللغوية. وهذا كله إذا لم ينو شيئا مخصوصا كما قررناه فيما سبق، وإلا فالمعتبر ما نواه.