على قبول تفسيره ذلك دل على ما ذكرنا من أن حروف الصفات يقوم بعضها مقام بعض كما في قوله تعالى (ولهم علي ذنب) (1) أي عندي، وقوله تعالى (لأصلبنكم في جذوع النخل) (2) أي على، فيجوز أن يكون قوله (علي) قائما مقام (عندي)، وإنما جعلنا قوله، الألف التي على فلان علي ضمانا في الذمة لأنه قصد به الالزام للمال الذي عليه وذلك لا يثبت إلا بالذمة، فوجد ما يدل على الثبوت في الذمة هنا بخلاف مسألتنا هذه. هذا محصل كلامه، ومختار الشيخ أقوى.
ولو قال: لك في ذمتي ألف وجاء بها وقال: هي وديعة وهذا بدلها ففيه الاحتمالان السابقان، ومنشأهما أنه فسر الألف بكونها وديعة، وهو بحسب الظاهر مناف لكونها في الذمة، والقبول أرجح لأن غايته قصد المجاز وهي كون التي في الذمة وديعة باعتبار أن سببها كذلك، والمجاز أيضا يصار إليه بالقرينة.
أما لو قال: لك في ذمتي ألف وهذه التي أقررت بها كانت وديعة لم يقبل، وذلك لأن اسم الإشارة الواقع في كلام وهو قوله (وهذه) وإن كان عائدا إلى الألف الذي قال إنه في الذمة سوى ما أقر به إذا لم يقر بشئ آخر (3).
ولو سلمنا أن ما في الذمة ينافي التفسير في الوديعة على كل حال فغاية ما يلزم أن يكون قد وصف المقر به بوصف المقر يمتنع ثبوته له وإن كان المشار إليه بهذه شيئا آخر غير مذكور بل هو مقدر بأنه أحضر وقال: هذه التي أقررت بها، فهنا يتجه في وجوب الألف ألف أخرى.
وعدم قبول قبوله قوله في أن المقر به هو ما أحضره وجهان كالمسألة السابقة، لكن عدم القبول هنا أولى لأن ما في الذمة لا يكون وديعة، فإن الوديعة هي العين المستناب في حفظها وما في الذمة ليس عينا، وليس ببعيد للقبول لأن قوله (كانت وديعة) لا ينافي ثبوتها في الذمة بتلف قارنه الضمان، وغاية ما يلزم ارتكاب المجاز